لم تستطع الصحافة الرياضية بالمغرب، أنْ تُساير التحوّلات الكبيرة التي عرفها القطاع السمعي في الزمن المعاصر. بحيث يغلب على خطابها نوعٌ من الغوغائية التي تُحوّل التعليق إلى مجرّد كلامٍ عاديّ غير موزون. وفي هذا الأمر، ما يدعو إلى الحيرة والتساؤل عن الأسباب التي تجعل التحليل الرياضي يتراجع ويُصبح هشاً وغير قادرٍ على التأثير بأهميته وخصوصياته داخل النسيج الرياضي.
قد يعتبر البعض أنّ السحر الذي تُمارسه الصورة تفوّق على عملية التعليق صوتاً لدرجة غدا فيها المُشاهد غير مُهتمّ بهذه الخطابات المزرية، بقدر ما تُتيح له هذه الصورة وواقعيتها عيش لحظة استثنائية مع مقابلة كروية أو أيّ حدثٍ رياضي آخر. وبالتالي، فقد أصبح ينأى بنفسه عن كلّ ما هو مسموع. على الرغم من وجود أصوات قويّة تستطيع أنْ ترسم لك بصوتها معالم الملعب وتُرمّم الأجساد فقط من خلال خطاب مسموع ينقلك إلى عوالم الملعب وحرارته.
يمتلك المُعلّق الرياضي عُدّة نظرية قويّة وإمكانات هائلة على مُستوى البحث والتقصّي، إذْ أنّ المُعلّق الرياضي الحقيقي، هو الذي يبحث في الأرشيفات عن سير اللاعبين ومساراتهم وأهمّ اللحظات التي طبعت مراحلهم الكروية، بما يجعل الخطاب مُؤسّس على معرفة مُسبقة وفي نفس الوقت على مقدرة من التحليل العيني المُباشر للمقابلة واستحضار الميزات والخصائص والمواهب. كلّ هذه الميكانيزمات تتواشج فيما بينها لتُكوّن تعليقاً رياضياً احترافياً، على الرغم من كونه يبقى ترفيهياً، إلاّ أنّه على الأقلّ عبارة عن خطاب رياضي له فتنته وحضوره.
إنّ الواقع يُظهر العكس ممّا يُمكن أنْ يحلم به المرء، إذْ تعثر على تعليقات رياضية غير جديرة بالمُتابعة، لكونها فارغة من المعلومات ولا تُظهر أيّ جديدٍ على مُستوى التعليق. وهو أمرٌ يستدعي طرح الأسئلة حول مصير هذا الجنس الصحفي المُهمّ وأسباب تراجعه إلى الوراء وهشاشة التكوين فيه. تُشاهد مقابلة رياضية، فتُحسّ بأنّ المُعلّق يروي لك بشكل مسوع ما يراه داخل الملعب، لكنّه غير قادرٍ على الإتيان بجديد على مستوى اللاعبين وتاريخهم ومؤهّلات الفريق وأسباب نجاحه من عدمه أو على الأقلّ تقديم تحليلٍ مباشر للمقابلة الكروية وأحداثها.
ثمّة خطاب عامّ يطبع هذا الجنس الصحفي ويُحوّله إلى ممارسة لا طائل منها. بل تُظهر لا المقابلات المحلية عجز المعلّقون وعدم تمكنهم من اللغة العربية ومعاجمها وبنياتها المفاهيمية وأنسجتها الفكرية. إنّ تعاليق بعض المقابلات العالمية تُصبح بمثابة عمل فنّي على مُستوى اللغة ومحكياتها وطرق توظيف بعض المعلومات خلال لحظات معيّنة من المقابلات الكروية. هنا تبرز قوّة المُعلّق في استحضار هذا الموروث اللغوي المُترسّب في لا وعيه، ويُظهر مدى فطنته في التحليل والمقارنة واستحضار المعلومة في السياق الصحيح.
لهذا نشهد عند بعض المعلقون المشارقة الكبار خروجاً عن المقابلة والقيام باستعراض دقيق للمرجعيات الرياضية للاعبين وأهمّ المنتخبات التي احتضنت مشوارهم الرياضي. بهذه الطريقة يجد المُشاهد نفسه أمام مقابلة كروية لها ما يُميّز على مُستوى الاستقبال، لكون التعليقات تُساهم في شذّ الانتباه وشحذ المُخيّلة وجعلها تترقّب كل ثانية من المقابلة، صوتاً وصورة.