سيظل يوم 10 دجنبر 2025 يوما استثنائيا في الذاكرة المغربية. فعلى الرغم من المناورات التي لجأت إليها الجزائر لعرقلة هذا التصويت التاريخي، وعلى الرغم من سنوات طويلة من الاستيلاء الثقافي الفج، وعلى الرغم من دعاية عدائية ومضللة شنت عبر شبكات التواصل ووسائل الإعلام وحتى المنصات التعليمية مثل ويكيبيديا، فقد تمكن المغرب أخيرا من حسم معركة القفطان بإدراجه ضمن التراث الثقافي غير المادي لليونسكو.
كان هذا الإدراج منتظرا بشدة، ليس فقط من قبل العاملين في مجال الأزياء التقليدية الذين يرون فيه رافعة اقتصادية مهمة، بل من جميع المغاربة. فالقفطان يعتبر جزءا محوريا من الهوية الوطنية وتاريخ المملكة الممتد عبر اثني عشر قرنا.
انتصار التاريخ على الدعاية المضللة
رغم أن مغربية صنعة القفطان المتوارثة عبر أجيال من الحرفيين لم تكن يوما موضع خلاف دبلوماسي، فإن هذا اللباس التقليدي اكتسب في السنوات الأخيرة بعدا سياسيا وثقافيا جديدا. فقد برز هذا التحول بعدما شرعت الجزائر في حملة استيلاء ثقافي ممنهجة. لذلك يشكل هذا الانتصار المغربي هزيمة قاسية للنظام الجزائري الذي لم يتوقف عن محاولة إفشال هذا الترشيح.
ورغم التوصيات الإيجابية الصادرة عن هيئة التقييم لصالح الملف المغربي، حاولت الجزائر، كما كان متوقعا، تعطيل الإدراج من خلال تقديم تعديل. غير أن عضويتها داخل اللجنة الحكومية الدولية (2024-2028) لم تمنحها حق النقض، إذ يعتمد إدراج العناصر في التراث غير المادي على مبدأ التوافق.
جدير بالذكر بأن أيا من الملفات الـ32 الأخرى المقدمة يوم 10 دجنبر إلى جانب الملف المغربي لم تتعرض لأي محاولة عرقلة. فقد كانت الجزائر هي الاستثناء الوحيد داخل المجموعة العربية في اليونسكو، وهي المجموعة التي يترأسها المغرب، ما يزيد من وقع هذه الخطوة. ويقول مصطفى جلوك، مدير التراث الثقافي بوزارة الشباب والثقافة والتواصل، لموقع Le360: «لم يسبق أن رأينا دولة تعارض ترشيح دولة أخرى من نفس المجموعة».
في 8 دجنبر، خلال افتتاح الدورة العشرين للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي، قام الوفد الجزائري بمحاولة جديدة. قاد هذه المحاولة عبد النور خليفي، الذي عُين سفيرا للجزائر في نيودلهي في مارس 2025. ويُعرف خليفي في المغرب بلقب « الدبلوماسي المصارع » منذ اعتدائه على دبلوماسي مغربي في غشت 2024 خلال الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر تيكاد 9 بطوكيو.
اختيار الجزائر لهذا الشخص يعكس جانبا من أساليب نظام فقد احترام المجتمع الدولي. لكن الأبرز هو ما أظهره هو وفريقه من ارتباك واضح في 8 دجنبر. إذ لم يكن هدفهم سوى تغيير عنوان عنصر سبق إدراجه في 2024، بإضافة كلمة « قفطان » إلى ملف « الزي النسائي الاحتفالي بشرق الجزائر »، بهدف الادعاء بأنه مسجل قبل المغرب.
هذه المناورة فشلت بشكل مذل، ثم طويت نهائيا في 10 دجنبر مع إعلان إدراج القفطان المغربي رسميا ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي.
وهكذا منيت الجزائر بسقوط جديد في 10 دجنبر بنيودلهي، في مشهد يذكر بإخفاق 31 أكتوبر بنيويورك، حين عجزت، رغم عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن (2024-2025)، عن منع اعتماد قرار تاريخي يدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. كما جاء هذا الفشل بعد هزيمة أخرى في نوفمبر 2025، عندما انتخب المغرب لعضوية المجلس التنفيذي لليونسكو للفترة 2025-2029، متصدرا القائمة العربية بـ146 صوتا، فيما خرجت الجزائر من التصويت دون أن تنال صوتا واحدا.
بعيدا عن مناورات النظام الجزائري، يعيش المغاربة اليوم لحظة احتفاء حقيقية. فالقفطان، بما يحمله من رمزية عميقة، يتجاوز حدود كونه لباسا تقليديا، ليجسد جزءا أصيلا من الهوية الوطنية وفخرا متجذرا في صنعة عمرها قرون. ومع إدراجه في اليونسكو، سيواصل القفطان المغربي إشعاعه داخل المغرب وخارجه، مدعوما بإبداع مصممين يضمنون له مكانته كأيقونة خالدة.




