ورغم جودة سينما المؤلّف في المغرب وقُدرة هذا اللون السينمائي على البروز في محافل دولية، إلاّ أنّ معظم الإنتاج الوطني لا يستحقّ حتّى المُشاهدة، فبالأحرى الكتابة عنه والحصول على جوائز عالمية. والسبب كامنٌ في كون هذه الأفلام عبارة عن أفلام موجهة إلى شبّاك التذاكر، لكونها عبارة عن أفلام ترفيهية استهلاكية هدفها الأساس المتعة والاستجمام، بدل التحريض على إعمال الفكر. ويُعتبر هذا التعلّق بشبّاك التذاكر، أحد أبرز المصائب التي تعترض سير وتقدّم السينما المغربيّة، وتجعلها مجرّد سينما تُعيد اجترار نفسها وأوهامها. قطعا، ليس الفيلم الناجح ذلك الذي حقّق إيرادات عالية أو الذي خلق جدلاً يُعوّل عليه على المستويين السياسي والاجتماعي، بل من يترك أثراً أو جُرحاً في ذاكرة الناس ووجدانهم. فسينما الأثر، هي التي يُبدعها نبيل عيوش وفوزي بنسعيدي ونور الدين الخماري وهشام العسري وغيرهم، وليس تلك الصُوَر السينمائية المُدغدغة لمَشاعر الناس عن طريق أفلام كوميدية تسعى وراء التهريج والابتذال.
والحقّ انّ مشكلة الفيلم التجاري بات ظاهرة عامّة، بسبب ما غدا يطرحه من أسئلة فكريّة على الصناعة السينمائية وتستدعي الإجابة عنها وفهم الأسباب التي تجعل بعض المخرجين ينأون بأنفسهم عن السينما المُلتزمة التي تُطارد الأثر والصُوَر، صوب صورٍ استهلاكية لا تستدعي الفكر والتفكير، بقدر ما تبقى سامقة أمام عتبة التهريج. لم تستوعب السينما المغربيّة التحولات الفكريّة التي طالت الواقع، بقدر ما بقيت سينما تقليدية سجينة تاريخها البصريّ، تتعامل مع الموضوعات بطريقةٍ هشّة، تجعلها أحياناً تسقط في أبعادٍ تربوية وتبشيرية.
ففي هذه الأفلام تنعدم الصنعة الفنّية للصورة، ويُصبح السيناريو عبارة نص ارتجالي يغدو فيه الإطار البصري عبارة عن فضاء يدخله الممثلون ويخرجون منه بسهولة، رقابة المُتخيّل أو سُلطة الحكاية ووحدة الموضوع. لكنّ المُشكل أنّه رغم طموح هذه السينما في تحقيق حداثة بصريّة توصلها إلى استثمار أو سوق فني تتحكّم فيه السينما، وتعمل من جهتها على الرقي بالسينما كقاطرة اقتصادية تُحقّق إمكاناتٍ ذاتية مُذهلة، لم تتحقّق شروط هذا الاستثمار السينمائي، أوّلاً، لأنّ مُشاهد اليوم قد أصبحت له دراية كبيرة بالتخييل السينمائي لدرجةٍ يصعب فيها تضليله بسيلٍ من الصور النمطية. وثانياً، أنّ الفيلم التجاري نفسه يجد صعوبة كبيرة على مُستوى العرض، بحكم أنّه لا توجد صالات سينمائية ببعض المُدن، ما يجعل عملية الذيوع بمثابة أمر صعب. وحتّى تلك الفئة من الجمهور التي تُقبل على الفيلم الترفيهي تبقى قليلة بسبب عدم وجود ثقافة سينمائية دائمة تجعل الناس يذهبون إلى السينما، باعتبارها فضاءً مُمتعاً يُحقّق بعضاً من شروط حداثة المدينة التي تجعلنا كأفراد ننسج معها علاقة خاصّة يطبعها السحر والافتتان.