أشرف الحساني يكتب: ثقافة في مهبّ الريح

في 27/07/2024 على الساعة 17:38

مقال رأييستغرب المرء من حجم ما يرى من كتب ولقاءات وندوات ومعارض تبدو فيها الثقافة المغربية مبتهجة كأنّ لا شيء ينقصها، مع العلم أنّ حاضر الممارسات الثقافيّة يُضمر في ذاته بعضاً من هشاشة وتصدّع الثقافة عموماً.

ماذا تبق اليوم من الأسماء الثقافيّة المغربية الكبيرة التي صنعت مجد هذه الثقافة؟ لماذا لا يتم اليوم في زمن التقنيات ووفرة الموارد إعادة طبع كتب ذات قيمة كبيرة لحياة المغاربة والعمل على إعادة التعريف بها؟ أعتقد أنّ هناك مشكل لم تستوعبه الجهات الوصية على الثقافة، وذلك لكونها تتعامل مع الثقافة على أساس أنّها تاريخٌ من القطائع، في حين أنّها مشروع ثقافي مستمر لا مجال فيه لقطيع إبستمولوجية مهما ادّعى شخصٌ ما ذلك. إنّ الثقافة التي مارسها جيل السبعينيات في الفكر والفن والأدب والموسيقى تُشكّل نموذجاً قوياً لما يمكن أنْ تصبو إليه الثقافة اليوم. إذْ رغم غلبة البعد الإيديولوجي على كتابات هذا الجيل، إلاّ أن مؤلفات فكرية وشعرية وروائية وأعمال سينمائية ماتزال إلى اليوم تحتفظ ببريقها الفكري داخل السياق الذي كُتبت داخله. يعتقد بعض الكتاب أنّ تخليص أعمالهم من الإيدلوجيا سيجعل مؤلّفاتهم ذات قيمة معرفية كبيرة، مع العلم أنّ كلّ هاجس تجاه فعل الكتابة يضمر في طياته موقفاً وبالتالي إيديولوجية معيّنة.

هل يجوز الفصل لحظة الكتابة بين ما نفكّر فيه وما نؤمن به إيديولوجياً؟ قطعاً لا. فالكتابة الجادّة هي القائمة على عنصر التفكيك والنقد، بل القادرة على إنتاج خطاب فكري يُعارض النظم والأنساق القائمة. إنّ أيّ كتابة مهما تحرّرت من إسار السياسة ومعتقداتها، فإنّها تبقى بطريقةٍ ما تنتصر لموقف إيديولوجي معيّن. ما يعني أنّ فعل الكتابة لا ينفصل عن الإيديولوجيا مهما حاول الكاتب ذلك.

حين كانت الثقافة المغربية في أحضان الإيديولوجيا كانت بخير وكانت الساحة تنتج سنوياً عشرات الأفكار والمواقف والمفاهيم المؤثرة في بنية الفكر العربي المعاصر. ما قيمة ما ينتجه المغاربة اليوم على مستوى الأفكار؟ لماذا تراجع البحث الجامعي إلى الوراء بعدما كانت الجامعة المغربية عبارة عن مختبرٍ حقيقي لإنتاج الأفكار؟ تبدو الثقافة الآن عبارة عن إكسيسوار الكل فيها رابح ومبتهج وقادر على إعادة إنتاج نفس الأفكار وأحياناً تتحوّل المواقف عند المثقفين عبارة عن موضة ثقافية يرنون إليها كلّما شعروا أنّ أقلامهم لم تعُد تُقدّم جديداً يُعوّل عليه من الناحية الثقافية. بيد أنّ وفرة الموارد المادية وطرق وتقنيات صناعة الكتاب، لم يساهم في إخراج الثقافة من الكتب والمدرجات صوب المجتمع حتّى يستطيع الرأسمال الرمزيّ لتأثير في تفكير ومشاغل الفرد. هناك فرق بين ما نقرأه في الكتب وبين ما يوجد على أرض الواقع، فهذا الشرخ نابعٌ في طريقة النّظر إلى مفهوم الثقافة باعتبارها مجرّد زينة على هامش البرامج السياسية، إذْ لم تستوعب الدولة أنّ الثقافة نمط عيش وأنّ وضعها في قائمة الأجندات السياسية يعكي للمغرب قيمة كبيرة في العالم. فالبلدان التي تمتلك ثقافة وعادات وتقاليد وتاريخ ضارب في القدم مثل المغرب، بلدان تعمل بقوّة على الاستثمار في الثقافة وجعلها قاطرة لتحقيق التنمية والنمو الاقتصادي والإشعاع الدولي داخل المنطقة.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 27/07/2024 على الساعة 17:38