إنّ الاجتماعات الكبيرة التي نظمتها الوزارة الوصية على الشأن المسرحي، والجدل الكبير الذي يُرافق سنوياً المهرجان الوطني للمسرح ودورات الدعم وبطاقة الفنان، لم ينتج عنه أيّ جديدٍ يُؤثّر إيجاباً على العمل المسرحي. ذلك إنّ مشاكله تتزايد يوماً بعد يوم، إذْ لم تستطع المسرحيات الجديدة على أهمية بعضها البعض أنْ تطرح قضايا أصيلة وإشكالات ذات علاقة بالمجتمع. إلاّ إذا ما استثنينا المسرح الترفيهي الاستهلاكي الذي يُساهم في تفاقم البلاهة والتهريج، على حساب مسرح حقيقي أصيل. والحقيقة أنّه في ظلّ هذا الركود الذي يعرفه القطاع المسرحي، تلعب التجارب المسرحية الجديدة دوراً كبيراً في تكريس فرجة مسرحية معاصرة أكثر وعياً بتحوّلات المجتمع.
ذلك إنّ هذه التجارب تنفتح على موضوعات أخرى تجعل من التجريب الفني خطوة في عملية التخييل. بل إنّ مسرحياتهم حين يُشاهدها الجمهور يجد نفسه أمام مسرح لع صلة بأجسادهم وتفكيرهم ومشاغلهم في أمور تتعلّق بالسياسة والمجتمع. كما أنّ أغلب هؤلاء المخرجين درسوا في معاهد ومدارس وكليات أجنبية، بما جعلهم في صلب الحداثة الفنية كما يعرفها المختبر المسرحي الغربي. في حين أنّ التجارب التي درست قديماً داخل المغرب، لم تُحقّق ما يصبو إليه المسرح المعاصر من أفق فكري وإمكانات جماليّة على مُستوى التخييل للاستفادة من فنون أخرى.
تُعتبر مرحلة الكتابة من أهم المراحل التي تُساهم في بناء وعيّ ثقافي بالنسبة للعمل المسرحي. ذلك إنّ مشكلة النصوص تتحكّم في أغلبها عوامل ثقافيّة أكثر منها تقنية. خاصّة وأنّنا نعرف اليوم أفول عدد من المخرجين المسرحيين الكبار الذي عُرفوا عبر تاريخهم الطويل بجدالاتهم المسرحية ومواقفهم الملتزمة تجاه المسرح والثقافة بشكل عام. هذا الجدل كان يُغذّي منذ ثمانينيات القرن الـ 20 الساحة المسرحية، ويجعلها تنفتح على قضايا معاصرة.
وكان النقد المسرحي يلعب دوره لا على مُستوى المتابعة، وإنّما فيما يتعلّق بالدراسات النقدية التي تُشرّح العمل المسرحي وتفتح له أفقاً جديداً. إنّ العمل المسرحي لا ينبغي النّظر إليه باعتباره فرجة أو تسلية، وإنّما بوصفه مشروعاً فنياً قادر على إنتاج أفكار ومعارف تجاه الواقع. إذْ يستطيع المخرج المسرحي المجتهد على التفكير في أسئلة ذات علاقة بالواقع، وله القُدرة على التفكير في حلّ الكثير من معضلات المجتمع وإخراجه من براثن التقليد والتأخّر.
حين كان المسرحي الطيب الصديقي يكتب عملاً مسرحياً، لم يكُن يهُمّه الهزل والترفيه، بل كيف يُمكن أنْ يغدو العمل المسرحي أفقاً للتفكير، بطريقة يُصبح فيها المسرح عبارة عن عملية تواصل مع المجتمع. فالإقبال الجماهيري الهادف الذي كان في سبعينيات القرن المنصرم على المسرح، راجع إلى كون المسرحي إبان تلك المرحلة عارفاً بقضايا مجتمعه وناس. هذا الانفصال على المجتمع يُساهم في تغريب جمهور المسرحي وتراجعه إلى الخلف لصالح مجالات أخرى مثل التلفزيون والسينما.