ثمّة رأي شائع داخل الأوساط الفنية بأنّ المسرح لا جمهور له، مقارنة بأنماط تعبيرية أخرى مثل السينما والغناء. إذْ يعتبر الكثير من الباحثين في المسرح أنّ هذا الأمر راجع بدرجةٍ أولى إلى ضرب المؤسسات الرسمية للمسرح وتشجيعها لكل ما هو ترفيهي، بعد المكانة التي ظلّ يتنزّلها المسرح داخل النسيج السياسي خلال سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم. لكنْ من خلال تأمّل المَشهد المسرحي، سيجد المرء نفسه أمام مجهودات كبيرة تقوم بها الدولة عن طريق بناء مسارح جديدة وتقديم مختلف أشكال الدعم للفرق المسرحية. لكنْ هذا الامر، لم يكُن كافياً من أجل خلق حركة مسرحية جديدة قوامها الإبداع والابتكار. والسبب له علاقة بفعل الإبداع المُرتبط بالمؤلّف والمخرج وكافة العاملين بالصناعة المسرحية، وليس بالدولة ومؤسّساتها.
نادراً ما نعثر على نصّ مسرحيّ جامح له القُدرة على نقل المُشاهد إلى عوالم متخيّلة. ذلك إنّ أغلب ما يُطالعنا داخل الساحة الفنية عبارة عن مسرح الصالونات الذي دأب المغاربة على مُشاهدته منذ أواسط الثمانينيات. وهو مسرح كوميدي ترفيهي ليس له القُدرة في التأثير على مجريات الواقع، لأنّه مسرح مشغول بكوميديا سطحية. مسرح يُحاول أنْ يُقدّم جرعات زائدة من الترفيه، بدل الانصات إلى الواقع بكل ما يعرفه من رجّات وتحوّلات وتغيّرات.
في السبعينيات، حين كانت المؤسسات تسعى جاهدة لمحاربة كلّ فعل تحرّري، كان المسرح يجد نفسه في موقع قوّة، لأنّ الجماهير كانت تتلاحم فيما بينها داخل دور الشباب والمركبات، وتجد نفسها تتفاعل بشكل تلقائي مع عدد من المسرحيات التي كانت ذات صلة باهتماماتهم. وكانت أغلب النصوص تحمل طابعاً سياسياً إيديولوجيا، مع أنّها كانت صادقة في طرق العديد من القضايا المتّصلة بالواقع وهواجسه التحررية. لكنْ إذا تأملنا ذلك جيّداً سنكتشف أنّ عدم الإقبال على المسرح، لم يكُن سببه المؤسّسات ورهانها على الابتذال باسم المسرح، بل إنّ السينما لعبت دوراً في هذا الأمر. وذلك بحكم الطفرة التكنولوجية التي شهدها العالم، والتي جعلت من براديغم الصورة السينمائية يقتحم عزلة الناس وحياتهم الحميمية ويُوجّه فعل المُشاهدة تجاه السينما. وفي الوقت الذي بقي فيه المسرح المغربي خلال التسعينيات تقليدياً مُرتكزاً على الاحتفال، ظلّت السينما تتطوّر شيئاً فشيئاً وتبحث لها عن مشاهدين جدد، عن طريق تجديد موضوعاتها وأساليب تصويرها.
إذا استثنينا بعض التجارب المسرحية الجديدة التي تعمل اليوم بجدّ على إخراج المسرح المغربي من التقليد، لا يعثر المُتابع على أسماء تُضاهي بصناعتها الجمالية ما ابتدعته الحركة المسرحية خلال القرن الماضي. تجارب جديدة استطاعت أنْ تُخرج المسرح من مفهومه الحديث وتفتحه على تحوّلات الزمن المعاصر. هذه التجارب بقدر ما تتنطّع صوب تخييل الواقع، فإنّها تبقى أمينة له على مُستوى الرهان الفكري. غير أنّ طرق التعبير عن هذه الموضوعات هو الذي يجعل هذه التجارب الجديدة مميّزة ولها القُدرة على جذب الجماهير مُجدّداً وتشجيعهم على ارتياد المسارح، في وقتٍ تبدو فيه المسرحيات حكراً على مدن مثل الرباط والقنيطرة والدار البيضاء.