لماذا لا يتغيّر المَشهد الثقافي؟

معرض

في 27/12/2023 على الساعة 13:30, تحديث بتاريخ 27/12/2023 على الساعة 13:30

كلّما اقتربت السنة أنْ تنقضي، إلاّ وطرح المرء جملة من الأسئلة التي تتعلّق بالشأن الثقافي المغربي خلال سنة 2023 وما الذي تغيّر خلال هذا العام، بل ولماذا لا يتغيّر أيّ شيء، رغم الظروف المُساعدة والسياق التاريخي المُهمّ الذي بات يحتلّه المغرب داخل الصناعة الثقافية.

إذا تأملنا المشهد المغربي في علاقته بفعل الثقافة، نكتشف أنّ ما يتغيّر هو طبيعة الأنشطة الثقافيّة وميكانيزماتها وعناوينها وأمكنتها، في حين أنّ ضيوفها يظلّون على حالهم، لا يتغيّرون، يتلوّنون حسب التخصصات. تتغيّر ملامح وجوههم وتجاعيد أجسادهم، لكنّ أفكارهم لا تتغيّر. الجهات المسؤول عن الثقافة لا تنتبه إلى هؤلاء وكيف أصبحوا يُغيّرون مواقعهم وتخصصاتهم حسب ندوات ثقافية ولقاءات أدبيّة. ويعمل هؤلاء المثقفون على تقديم أنفسهم على أساس أنّهم متخصّصون في هذه المجالات التي استدعتهم الجهة المُنظّمة للمُشاركة في لقاءاتها وندواتها. وأصبحت هذه الفئة من المثقفين تُسيطر على القنوات وتُحاضر في موضوعات بعيدة عنها. إنّها تتحدّث في كلّ شيءٍ ولا شيء، وتنفي معها مجهودات كلّ الباحثين الحقيقيين الذين طالما عرفوا بتخصّصاتهم. لكن ما لا يتغيّر هو أنّ الثقافة ماتزال مجرّد إكسيسوار، بعضهم يتعامل معها على أساس أنّها مكسب مادي، فيبدأ في ابتكار جمعيات واهية للحصول على الدعم، بينما يتّخذ منها البعض الآخر وسيلة للترفيه عن ذاته. في حين أنّ الثقافة الحقيقية، كما رسمت ملامحها الأجيال الستينية والسبعينية، تبقى غائبة عن المشهد خلال هذه السنة.

إنّ الثقافة مشروع مجتمعي يُحرّر المرء من التقليد ويُدخله صوب الحداثة. في حين يُنظر إلى الثقافة على أساس أنّها « خضرة فوق الطعام ». إذْ لا يتمّ التعامل مع الثقافة على أساس كونها مشروع قابل أنْ يتم الاستثمار فيه كما هو الحال بالسبة للسينما مثلاً. بل إنّ الجهة المسؤولة على الثقافة ما تزال تجد نفسها مُضطرّة إلى تقديم الدعم على الكتب وللجمعيات والفرق المسرحية والأفلام السينمائية وغيرها. وحتّى داخل الوسط الثقافي لم يعُد المرء يستمتع بأيّ جدلٍ ثقافي مقارنة بسنواتٍ خلت. وكأنّ أهل الثقافة ما يهمّهم هو مشاكلهم الشخصية مع المؤسسات الفنية. فكيف سيتم تثمين ثقافةٍ بمعزل عن هذا الجدل الذي يُساهم دوماً في تطوير المعرفة.

الثقافة المغربية ليست بخير ولن تكون كذلك، إذا لم يتم ربط هذه الثقافة بمفهوم الالتزام. في السبعينيات حين كانت الثقافة مُلتحمة بالإيديولوجيا، كانت المؤسّسات تخاف من صوت المثقف، لأنّها تعرف مدى تأثيره على أوساط المجتمع من خلال نقاشاته الكبيرة مع أفراده. لهذا لم يكُن السياسي يتردّد في دعوة المثقف إلى الانخراط في الحزب. وكان المثقف يحظى بدعم دائم من طرف زعماء الأحزاب، لأنّهم يعرفون مُسبقاً أنّه يحمل رأسمال رمزيّ يستطيع أنّ يُساهم في تكريس صورة الحزب داخل المجتمع.

اليوم، لا يملك المثقف صوتاً لا داخل الحزب ولا داخل أيّ تمثّل ثقافي مهما ادّعى قيمته. خلال هذه السنة فاز العديد من المثقفين بجوائز مهمّة وحصلت السينما على تتويجات عالمية لم تحلم بها يوماً في تاريخها القريب. كما عملت المؤسسات الثقافية على حسن نيتها على تنظيم لقاءات مهمة في مجالات مختلفة من التعبير الفنّي والقول الأدبي والتعبير السينمائية والتأصيل الفكري. لكنْ مع ذلك، فالثقافة تبدو مجرّد إكسيسوار غير قادرة على التأثير في المجتمع ودفعه صوب الاهتمام بها والاستمتاع بما تقترحه عليها من مسّرات. هل لأنّ الثقافة في عمومها نخبوية؟ أم أنّ طرق تسيير وتدبير الثقافة تحتاج إلى إعادة التفكير من أجل إيجاد خطّة أفضل تتماشى مع متطلبات الناس مع مختلف التحولات التي بات يعرفها المغرب.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 27/12/2023 على الساعة 13:30, تحديث بتاريخ 27/12/2023 على الساعة 13:30