ويُعرف يوسف فاضل في كونه واحداً من الأدباء المغاربة القلائل الذين تميّزت تجاربهم بإبدالات هامّة على مستوى بنية النصّ. ففي كلّ عملٍ روائي جديد، يحاول صاحب « حياة الفراشات » أنْ يؤسس لنفسه مشروعاً أدبياً مختلفاً يمزج الواقعي بالتخييلي، ويعمل عبر عنصر الحكاية أنْ يُبلور أفقاً روائياً ينطلق من الهوامش المنسية. وتستند أعمال يوسف فاضل على خلطة أدبية توازي في تشكلاتها الفكرية بين الواقع والخيال والاكرة والتاريخ. فهذه العناصر بمختلف أبعادها وترسّباتها في الذاكرة الإنسانية، تُمثّل وعياً دقيقياً بعوالم يوسف فاضل والأساس الفكري الذي تنبني عليه على مُستوى الكتابة والتفكير. وإذا كان صاحب « طائر أزرق نادر يُحلّق معي » يكتب في الرواية والمسرح والسيناريو، فذلك لأنّه يعيش تعدداً أدبياً في ذاته، بحيث يقوده هذا الغنى إلى رصد تمثلات الذات في علاقتها بالعالم. بل تغدو الكتابة عند فاضل بمثابة تمرين للذاكرة وهي تطوف بمختلف المراحل التي عاشها والتجارب التي مرّ منها.
يقول فاضل في روايته الجديدة « أمّا رْوازْنة، فقد عادت إلى قناع الطين. وتقول ستغسل وجهها عندما يصلون إلى أمجوط. كما وعدته. وسيراه، الوجه العزيز، كما هو. أمّا الآن، فإنهما ممدّدان جنب بعضهما. في خلفية العربة. يدها متشبّثة بيده. إنها نائمة. لن يسحب يده حتّى لا يُوقِظها. يسمع العطّار خلفه يستحثّ حصانه. منتصب الظهر فوق كرسيّه العالي. كلمة أو كلمتان يطلقهما بين لحظة وأخرى. بفعل العادة. العطّار الذي غادر بني دركول في منتصف الليل على هدير طائرات بعيد، يرى أبعد من الطريق. لن يجني ثروة والأسواق فارغة. الأعشاب والتعاويذ في قواريرها وجلود الثعابين والسحالي والهداهد المحنّطة مكدّسة فوق بعضها. ولا تجد من يقتنيها. العربة ملآنة بكلّ ما يحتاج ابن آدم ليشفى. الحرب لا تترك الوقت للتفكير في علاج غير النجاة من القنابل والرصاص ».