لم ينجح محمّد مبديع في الوصول إلى محبة الناس وقلوبهم، رغم فوزه المتكرر في الانتخابات الذي قاده في غضون سنوات إلى أنْ يُصبح وزيراً. بفضل الفقيه بن صالح أصبح مبديع معروفاً في الأوساط السياسيّة، بعدما استغل سذاجة المنطقة وحاجة أبنائها إلى التوظيف، عاملاً على تلميع صورة من خلال مهرجان ألف فرس وفرس الذي غدا حديث الناس في كلّ المغرب. تعودنا نحن أبناء المدينة على الالتقاء بمحمّد مبديع بالأسواق والمقاهي والأعراس والمسابح، لدرجة تجعل كلّ أجنبي لا يعرفه ينبهر من شدة التواضع.
هذا الأخير، لم يكُن إلاّ مجرّد طريقة يُكرّس بها صورة ومكانته كبرلماني داخل المدينة. وفي الوقت الذي اشتدّ فيه الموت بالمدينة بسبب الهجرة إلى أوربا ورغبة الشباب في التحرر والانعتاق من الألم اليومي جراء عدم وجود شغل. وبينما كانت ثروة محمد مبديع تزداد بشكل متوحش كان أبناء المدينة ممن يحملون شواهد عليا يتجرّعون مرارة العطالة داخل المقاهي الشعبية. بل أجزم أنّ ما آلت إليه المدينة منذ التسعينيات، قد تسبّبت فيه سياسته المُعطّلة المبنية على الغش والسرقة والزيادة في فواتير مواد البناء والإصلاح والتركيب.
لم يمتلك مبديع أيّ مشروع تحديثي للمدينة. فإدا عُدنا إلى تقييم منجزاته على ممر السنوات الطويلة التي قضاها على رأس المدينة، لا يعثر على شيء استفادت منه الساكنة باستثناء شارع الحسن الثاني المرصّع بالأضواء المُعطّلة والورود المزيّفة، ما يُظهر حجم العطب الذي يُعانيه الرجل في رؤيته للمدينة. ورغم الكره الذي تكنّه بني عمير إلى هذا الرجل ومعرفتها مسبقاً بطريقة اشتغاله، ينجح محمّد مبديع في اقتناص أكبر عدد من الأصوات. إنّ الفوضى التي شهدتها المدينة بعد سقوطه في يد القضاء والعدالة بسبب يوميات عرس ابنه، ليست سوى صورة مصغّرة عن الواقع الذي ننتمي إليه، حيث الأسماك الكبيرة تلتهم باقي الأسماء الصغيرة التي تحبو على عتبات السياسة وسراديبها المُظلمة.
منذ صغري، رأيت عن كثب كيف عملت السلطات المحلية على المُشاركة في الولائم التافهة التي كان يُقيمها محمّد مبديع لأعوانه. ليس عيباً أن يعزم مرشح أعوانه وأصدقائه للاحتفال فوز انتخابي، لكنّ العيب هو أنْ يُشارك أعوان السُلطة في ذلك ممّن يوفرون له الحماية، في الوقت الذي ينبغي فيه العمل على تنظيم الانتخابات وتُمنح الأصوات لمن يستحقّها. فلو قامت السلطات على إحصاء وتقييم طبيعة الناس الذين كانوا يمنحون أصواتهم لوجدوا أنّ النساء والرجال الذين يذهبوا يوماً إلى المدرسة. وهذا الأمر، لعب دوراً سلبياً في تاريخ الانتخابات بالمدينة وجعل أوضاعها تزداد سوءً يوماً بعد يوماً.
في التسعينيات لم تكُن ساكنة الفقيه بن صالح تنتبه إلى ما يحدث داخل فضاءاتهم العمومية بسبب انهماكهم بالهجرة السرية إلى أوروبا. واستغل البرلماني هذه المسألة وفراغ الساحة السياسيّة من خلال العمل على تكريس صورته لدى الفقراء. أما الناس الذين يذهبون إلى إيطاليا إسبانيا ويعودون بأموال وفيرة يشترون بها أراضٍ ومنازل ومحلاّت، فإنّ أغلبهم يُوجّهون نقداً لاذعاً لمبديع في وجهه، بل ويحتقرون شكله والطريقة التي جاء بها للاستقرار بالمدينة وأقام فيها سنوات طويلة. وفي الوقت الذي بدت فيه أوضاع أوروبا تتدهور وتزداد سوءً، بما جعل الناس يعودون إلى المدينة لإقامة مشاريع اقتصادية يُطعمون بها أبنائهم، بدأوا ينتبهون إلى الخلل الذي تعرفه المدينة وأنّ خيراتها لا يستفيد منها إلاّ مبديع ومشاريعه الاقتصادية المُتصدعة.
الآن وبدخول محمّد مبديع السجن، يعتقد البعض أنّ أحوال المدينة ستتغيّر في لمح البصر. فشباب المدينة غير قادرٍ على تنميتها والمتقاعدون من الأساتذة يُجهضون أيّ محاولة لتحديث المدينة والدفع بالشباب إلى الترشّح للانتخابات والدخول في غمارها، من أجل اجتراح مشروع مجتمعي جديد، لا ينطلق من ثقافة « دير النيّة » بل من القُدرة على التسيير المُنضبط وإيجاد حلول للناس والحرص على تنمية المدينة من حيث توفير فرص الشغل وإقامة بنيات تحتية مُتماسكة والعمل على استرجاع روح المدينة على المستويات الثقافية والرياضية والفنية، باعتبارها كانت رائدة في هذه المجالات وتُقدّم دروساً حقيقية للمدن الأخرى المنضوية تحت لواء الهامش وآفاقه المتوهّجة في خدم الأرض والإنسان.