يقول المصباحي بأنه هذا الكتاب « يُقدّم فيه لوحيتن متقابلتين لمطلب الحق والعدل ما يتصل بهما: لوحة رائدها ابن رشد، تعرض لمطلب الحق والعدل من زاوية تقابل العقل والوحي، اللوحة الثانية قائمة على تقابل العقل التنويري وعقل ما بعد التنوير، ويمثلها المفكر الهندي أمارتيا سن. لم يعد من الممكن أن ترد الحق والعدل والعقل إلى مبدأ خارج عن الثقافات ورؤى العالم والآراء ةالأحكام المسبقة. ومن ثم أصبح العقل عقولاً، والحق حقوقاً، والعدالة عدالات. في النهاية، ليس الإنسان بما هو إنسان هو من يضفي هذه القيم على الأشياء والأفعال والعلاقات والانفعالات، وإنما الإنسان بما هو منتمٍ إلى ثقافة ما. لكنْ ليس معنى هذا أنه تم إلغاء وجود ماهية للحق والعدل والعقل، تحقق حولها إجماع الشعوب والثقافات والعقول كلّها، فالنواة التنويرية لهذه القيم غير قابلة للانقراض ».
يضيف المصباحي « لا يغدو العدل إشكالاً، أي موضوعاً فلسفياً، إلاّ إذا تحول إلى ظلم، أو إذا أوشك أن يصير كذلك، وبالتالي فإن الموضوع الحقيقي لصناعة العدل هو الظلم، وهو الأمور الخارجة عن حدّ الاعتدال بالتعدّي على حقوق الغير وإلحاق الأذى بهم، أو الإخلال بمبادئ الشريعة أو ممارسة الاحتيال والكذب وانتهاك العقود والمواثيق. من أجل هذا كان الأمر في صناعة العدل كالأمر في صناعة الطبّ. فكما إن «الأمزجة الخارجة عن الاعتدال الإنساني هي التي تنظر فيها صناعة الطبّ» لعلاجها بالرجوع بها إلى حال الاعتدال، فكذلك مهمّة صناعة العَدْل هي علاج الظلم بإزالة أسبابه ومظاهره على مستوى الأفراد والدولة. نعم، التناظر الضّدّيّ بين العَدْل والظلم يحكمه مبدأ جدلي ينصّ على «أن لعلم واحد النظر في المتضادَّيْن معاً»، ومن ثمّ لا يمكن النظر في أحد الضِّدَّيْن إلّا من خلال الضِّدِّ الآخر؛ إلّا أنه إذا كان أحد الضِّدَّيْن أظهر من الآخر، يتعيّن إعطاء الأولوية للأظهر لجعله مرشداً لمعرفة الأخفى، والحال أن الظلم أظهر من العَدْل، وهو ما يُوجِب علينا أن نبدأ بالبحث عن حقيقة الظلم، عساها تهدينا لإدراك ماهية العَدْل ».
جدير بالذكر أن محمد المصباحي، مواليد القصر الكبير عام 1945، ويعمل حاليا أستاذ التعليم العالي بقسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة محمد الخامس بالرباط. صدر له: « الذات في الفكر العربي الإسلامي » و »جدلية العقل والمدينة في الفلسفة العربية المعاصر » و »من الوجود إلى الذات: بحث في فلسفة ابن رشد » و »العقل الإسلامي بين قرطبة وأصفهان ».