أشرف الحساني يكتب: الفقيه بن صالح.. مدينة بدون سينما مقبرة

أشرف الحساني / ناقد فني

في 23/05/2023 على الساعة 21:30, تحديث بتاريخ 23/05/2023 على الساعة 21:30

مقال رأيرغم ارتفاع منسوب الوعي بأهمية السينما ودورها المحوري داخل الفضاءات العمومية، إلاّ أنّ العمل على بلورة هذا الوعي داخل المجال التداولي، ما يزال ضعيفاً وهشّاً داخل مدن الهامش التي لا تتوفّر حتّى على البنيات التحتية وشروط العيش الكريم.

لم تنجح الجهات الوصية على الشأن الثقافي بمدينة الفقيه بن صالح في تكريس ثقافة الصورة وحداثتها، بل لا يعثر المرء على أيّ عرض لفيلم سينمائي في الهواء الطلق، حتّى يستفيد سكان المدينة من الإنتاجات الوطنية المُدعّمة من المركز السينمائي المغربي، في وقتٍ تتوفّر فيه المدينة على كلّ الإمكانات التي قد تجعلها تعيش حداثة بصريّة مكتملة. إنّ المركب الثقافي الموجود بالمدينة، مجرّد طلل لا قيمة له، لكونه لا يلعب أيّ دور فنّي على مستوى عرض الأفلام وتنظيم لقاءات سينمائية مع العديد من الممثلين والمخرجين وغيرهم من صنّاع الفنّ السابع. فكيف يجوز الاعتراف بنجاعة مركّب ثقافي يقف عند حدود ورشات الأطفال وندوات عقيمة وعرض مسرحيات لا أحد سمع بها. صحيح أنّ المركب مجرّد بناية عمومية وأنّ هذا الدور ينبغي أنْ تضطلع به الجمعيات الثقافيّة، لكنْ على الأقلّ ينبغي أنْ يكون له دالة وجود وليس مجرّد كهف لا طائل منه.

بل إنّ أنجح المركّبات الثقافية هي تلك التي يحرص أصحابها على اختراق واقعهم والانفتاح على الفضاء العمومي وجذب الفنانين والمغنيين والمخرجين والأقلام الأدبية الصاعدة في مجالات مختلفة من الإبداع واحتضانها داخل جمعيات ثقافيّة، بما يجعلها تخطّ لها مساراً قوياً وواعداً. هذا الأمر، يُشجّع الشباب لا محالة على كتابة مسرحيات وأفلام وقراءة الشعر وممارسة حقّهم في صناعة الفن والجمال داخل المدينة. في حين، أنّ المركبات الفاشلة، هي التي لا مشروع ثقافي لها، بل إنّها صمّاء لا تعرف ما يدور في فلك الواقع الثقافي المحلي، ولا تعرف كتّاب مدينتها، بل لا تعرف حتّى الأحداث الكبيرة التي تشهدها الثقافة عموماً.

لم تتحمّل جهة ما بالفقيه بن صالح ولا جمعية ثقافيّة عناء كتابة بيان أو رفع شعار حبّ تجاه سينما المدينة المُغلقة منذ سنواتٍ طويلة، رغم الدور الكبير الذي لعبته هذه الصالة في توطيد العلاقة بين المبدعين وتمكينهم من متعة بصرية تسحر الجسد وتجعله يرنو إلى الحلم والتفكير. لم ينجح المجلس البلدي ولا الجمعيات الثقافية إلى إعادة الاعتبار للصالة السينمائية الوحيدة الموصدة أبوابها منذ بداية الألفية الجديدة، من خلال التوعية بأهميتها ودورها الفنّي في سنوات خلت. وبالتالي، فهي ليست مجرّد بناية لا طائل منها، وإنّما تراث فنّي ينبغي الاحتفاء به وترميمه وضخّ دينامية جديدة في شرايينه وفي كافّة جسده المعطوب، من خلال تحويل هذه الصالة إلى نافذة سينمائية على العالم.

لو تمّ فتح هذه الصالة لكان من المُمكن إقامة مهرجان سينمائي كبير، يحتفل فيه أهل بني عمير بالعديد من المخرجين المغاربة وينسجون معهم علاقة قوامها الحبّ والإبداع والابتكار. إذْ لا تتوفّر المدينة على مهرجان سينمائي قويّ له مصداقيته ومهنيته، بما يجعله يُعيد توطيد علاقة الساكنة بالسينما ومُتخيّلها، كما هو الأمر منذ نهاية ثمانينيات القرن المنصرم.

لو كان محمّد مبديع يتوفّر على رؤية تحديثية واضحة المعالم والرؤى للمدينة، لكان قد بذل مجهودا كبيراً في ضمّ تلك الصالة اليتيمة إمّا لتصبح بناية عمومية أو ذات ملكية خاصّة على أقلّ تقدير. وحتّى المثقفون في المدينة هائمون على وجوههم داخل المقاهي بدون القيام بأيّ دورٍ ثقافي بنّاء داخل الواقع. بل إنّ مُجملهم معني فقط بالتكريمات عن كتبٍ كتبوها فيما مضى أو لأنّهم أصبحوا شيوخاً فوظيفتهم هي الصمت الذي يُراد به الحكمة في نظرهم.

شخصياً، كلّما زرت المدينة أحاول التلصّص مع أصدقاء نتقاسم السؤال الثقافي عن وظيفة هذه الجمعيات الثقافية داخل الحياة اليوميّة. إذْ يعثر المرء على نوع من التضخّم في الأمور الاجتماعية ذات العلاقة بقفّة رمضان أو مسابقات التجويد أو ورشات الأطفال. أمّا السؤال الثقافي العَالم، فهو غائبٌ بشكلٍ كلّي ولا يعثر عليه المرء، إلاّ من خلال لقاءات أجنبية تُنظّم داخل المدينة.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 23/05/2023 على الساعة 21:30, تحديث بتاريخ 23/05/2023 على الساعة 21:30