أشرف الحساني يكتب: التداوي بالفنّ.. مجرّد بدعة

أشرف الحساني

في 23/09/2024 على الساعة 18:45, تحديث بتاريخ 23/09/2024 على الساعة 18:45

مقال رأييخيبُ ظنّي في العديد من المبدعين والفنانين والموسيقيين والمخرجين الذين يعتقدون أنّ الفنون عموماً تستطيع أنْ تُداوي الجراح. بل ويستمرّ هؤلاء الفنانين في البحث عن نظريات جاهزة ومفاهيم مستساغة كمُحاولة لإضفاء نوع من الشرعية على أعمالهم الفنّية التي يعتقدون أنّها فعلاً تُشكّل دواءً تجاه قُبح الواقع.

والحقيقة أنّ لحظة الإبداع الفنّي لا يُمكننا اعتبارها إلاّ من اللحظات العسيرة التي يمُرّ بها الجسد البشري. وذلك لكونها أشبه بمخاض الولادة. إنّها رغبة جامحة في خلق المعنى، حيث يصبح الجسد قلقاً تجاه الإبداع، فبالأحرى أنْ يغدو دواءً له. لهذا السبب يعمد العديد من الفنانين بعد حصولهم على التقاعد اللجوء إلى الرسم كمُحاولة منهم لاستعادة « مواهبهم » الضائعة بفعل مرور الزمن واستعادة شرعية جمالية ومكانة فنية داخل الوسط الثقافي الذي يجهلهم. لكنّ أغلب هؤلاء الفنانين حين تطرح عليهم السؤال حول سبب العودة إلى الفنّ الذي أهملوه تكون الإجابة في أنّهم وجدوا في الفنّ ما افتقدوا في مهنهم الأخرى. بل إنّهم يرون فيه علاجاً للروح وتطهيراً للنفس بالمفهوم الأرسطي للكلمة. بيد أنّ الفنّ الحقيقي يُضاعف من منسوب الألم والمعاناة في ذاتية المُبدع ويجعله يدخل بجسده لا بعقله فقط في العملية الإبداعية التي تصبح شكلاً من أشكال المخاض المُرتبط بولادة المعنى تجاه العمل الفنّي، سواء كان تشكيلياً أو سينمائياً أو موسيقياً.

على هذا الأساس، فحين نُشاهد أعمال محمد القاسمي والجيلالي الغرباوي وفؤاد بلامين وسعد الحساني وغيرهم، نكون أمام أعمال فنّية في غاية البراعة والإتقان. لوحاتٌ يؤجّجها الألم ويصوغ ألقها الإبداع والابتكار. فحين تُحاور هؤلاء الفنانين الكبار، فإنّك لا تعثر في قاموسهم الفنّي على مفاهيم العلاج والمرض وغيرها. إنّ اللوحة بالنسبة لهم عبارة عن سند هو في دلالته أشبه بمُختبرٍ فكري لتكثيف القول وتصوير الواقع وتخييل الجسد ومناقشة قضايا تتعلّق بالذاكرة والتراث والطفولة والجسد وغيرها. إنّنا هنا أمام لوحات تُشرّح الواقع وتحاول عبر مفاهيم السند والمادة واللون أنْ تُعيد تشكيل العالم على طريقتها الخاصّة. نحنُ هنا أمام وعي فني كبير، يرى في الفنّ وسيلة للتفكير وطرق موضوعات ذات صلة بالفرد والمجتمع على حد سواء، وليس علاجاً لآلام الجسد وأحواله. فالفنّ لا يُداوي الجسد ولا يُطهّر الروح من عذابها النفسي، بل يضاعف من منسوب الآلام فيهما.

أغلب الظّن أنّ الذين يعتبرون الفنّ يستطيع أنْ يحُلّ مكان الطبيب يأخذون أدوات الرسم وفي قلبهم شيءٌ من الفرح العودة لا أكثر. في حين أنّ الفنّانين الكبار حين يقفون بشكل سامق أمام بياض اللوحة فكأنّهم يرقبون موتهم وعزلتهم وطفولتهم الحزينة في صحراء اللوحة. فلا غرابة أنْ تُطالعنا لوحات القاسمي، بوصفها صرخة تجاه الواقع، حيث يبقى حريصاً على تفكيك براديغم الجسد ومحاولة القبض عنه داخل لوحة.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 23/09/2024 على الساعة 18:45, تحديث بتاريخ 23/09/2024 على الساعة 18:45