عُرف عن غاستون باشلار في كونه من الفلاسفة الكبار الذين حين يقرأ المرء أعمالهم المرء نفسه أمام أعمال فكرية أصيلة كتبها شاعر يُفكّر بنفس الشعراء وليس بمنطلق الفلاسفة. اختيار هذا الكتاب نابع من قناعة المترجمة بالمكانة التي يمثلها هذا المؤلف في الفكر الفرنسية والإمكانات المذهلة التي يُتيحها للقارئ، بعيداً عن المشروع الفلسفي الذي يدخل ضمن مدارات الإبستيمولوجيا والذي حظي باهتمام كبير من لدن الباحثين المغاربة بالمقارنة مع الجانب الأدبي من كتابات باشلار. فهذا الكتاب يدخل ضمن الشق الأدبي الباشلاري حول الأحلام واليقظة والشعرية والصمت والفضاء، إنها مفاهيم لم يكُن للفكر الفلسفي أنْ يفكّر فيها لو لا اشتغالات باشلار وتفكيره الرؤيوي في البحث عن منافذ جديدة للفلسفة بعيداً عن الجانب العلمي الجاف الذي يجعل الشباب الفرنسي ينفر منها بحثاً عن علوم أخرى أكثر رحابة وانفتاحاً على الحياة.
يقول المترجم « في شعرية الفضاء، يقترح باشلار منهجاً آخر، حيث تحل فينومنولوجيا الصور محل التحليل النفسي للعناصر، وباشلار هنا يعني من خلال ذلك فينومنولوجيا الخيال، أي دراسة ظاهرة الصورة الشعرية عندما تنبثق الصورة في الوعي كنتاج مباشر للقلب والروح والكينونة والإنسان المدرك في راهنيته. هكذا ليس للصورة من ماضٍ وإنما لها مستقبل. من ثم لا وجود لعلاقة سببية مع نموذج أصلي راقد في الأعماق ولا وجود لتفسير الزهرة من خلال السماد. لا تصف الفينومنولوجيا بطريقة تجريبية الظواهر الشعرية، وهو ما قد يفترضه قارئ منفعل، بل إنها تختبر القصدية الشعرية من حيث أن مستقبل القصد يُقرأ ضمن ترديد الصدى. ففي تصوّر باشلار، تذهب القصيدة أبعد من الحياة، وبوسعها أن تعبر عتبة الموت والمعلوم والمجهول كي تبلغنا رسالتها التي يمكن أن تكون مختلفة وخاصة بتجربتنا الشخصية ».
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا