إنّ وجود المغرب على واجهتين بحريتين، يتعلّق الأمر بالبحر الأبيض المتوسّط والمحيط الأطلسي، جعله يلعب دوراً كبيراً في تاريخ هذه الحضارات التي يصعب على المؤرخ معرفة مدى تأثيرها الدقيق في تاريخ منطقة أو نصب معماري، وذلك لكون البلد تعاقبت عليه حضارات كثيرة جعلته مؤثّراً في النسيج الثقافي داخل المنطقة المغاربيّة. واليوم حين يتحدّث العالم عن المغرب، فإنّ أوّل شيءٍ ينطبع في مُخيّلتهم هو هذا البُعد الرمزي الذي دفع عالم الاجتماع بول باسكون أنْ يقول بأنّ المجتمع المغربي « مُركّب » إذْ أنّ هذا التركيب لم يأت من ازدواجية المجتمع وتفاقم مشاكله النفسية وهشاشة أوضاعه الاجتماعية بما يجعل السوسيولوجي يجد نفسه أمام مأزق التشريح، بل إنّ هذا التركيب راجع بدرجةٍ أولى إلى الفسيفساء الثقافية المتنوّعة التي تجعله بلداً مختلفاً بلغاته ومتعدداً بهوياته وأصيلاً بتراثه وحضارته.
أدركت الجهات الوصية على الشأن الثقافي أنّ قوّة المغرب لا تتأتى بمعزلٍ عن هذا الماضي الشامخ وهذا التعدد البلوري الذي يُعطي إشعاعاً للمملكة في دولٍ أخرى، فعملت على مدار سنواتٍ طويلة، تأسيس مهرجانات وإقامة ندوات وتدشين لقاءات تُعرّف بالتراث المادي واللامادي بالمغرب، وذلك من خلال إبراز طبيعة هذا التنوّع من حيث النسيج الاجتماعي بين العربي والأمازيغي والحساني والأندلسي والإفريقي. ذلك إنّ هذه المُكوّنات تُساهم بوعي أصيل في اجتراح صورة أخرى للمغرب، تدفعه لا إلى التماهي مع مختلف مظاهر العولمة، وإنّما للتشبث بالتراث المحلي وإعطاءه صبغة مُتجدّدة في سيرورة الراهن. إنّ الوعي بأهمية المُكوّن الأمازيغي الذي جرى الاحتفال به وبشكل رسمي يوم 14 يناير 2024 كعطلة رسمية مؤدى عنها، من شأنه أنْ يعطي إشعاعاً هامّاً للبلد، ويجعله ينفتح على تطوير هذا المُكوّن عبر فتح أوراش ثقافيّة كبرى من أجل التفكير في خصوصيته وإبراز جمالياته على مستوى الحرف والصنائع والعادات والتقاليد والأدب والسينما. وهي عناصر جماليّة هامّة تلعب دوراً كبيراً في تشييد صرح ثقافي يُفيد إشعاع المملكة ويرسم لها صورة مغايرة داخل المنطقة المغاربية.
إنّ الثقافة الأمازيغية مميّزة بتاريخها وفنونها وقادرة على تأصيل الذاكرة المغربية وحفظها، ذلك إنّ ثقافتها مُتجدّدة باستمرار ولها قوّة في التأثير على مجريات الساحة الثقافية. إذْ دائماً ما تُطالعنا مهرجانات ومؤلفات تعتني بالثقافة الأمازيغية كمُكوّن من الهوية المغربية. خاصّة وأنّ زمن العولمة يُهدّد الهويات الوطنية ويفرض نسقاً ثقافياً جديداً لا علاقة له بالثقافة الأصل. من ثمّ، فإنّ هذا التحوّل يفرض الاعتناء بجوهر الثقافات المحلية التي تقود إلى البلد إلى رسم صورة كونية قوامها التعدّد والتنوّع والاختلاف.