ويتناول الكتاب مجموعة من الموضوعات التي تمثّل الأفق الفكري لمشاغل عبد الله العروي ونذكر منها: « في مفهوم الإيديولوجيا »، « خواطر حول « خواطر الصباح »، « المثقف حين يكون مهووساً بالسياسي »، « في « مفهوم العقل » نقد العقل العربي الإسلامي، " الترجمة الذاتية: عندما يترجم الكاتب مؤلفاته »، « هل مازال العروي تاريخانياً؟ »، « ترميم مستمرّ لفتكٍ مُتجدّد »، « بين الفلسفة والتاريخ ». وبغضّ النّظر عن عمومية هذه الموضوعات التي من المُمكن أنْ تُسقط على مفكّرين آخرين مثل عبد الكبير الخطيبي مثلاً. فإنّ بنعبد العالي أصاب في اختيارها، طالما ما تزال تُشكّل منذ نهاية الستينيات مدخلاً معرفياً لفهم كتابات العروي في علاقتها بالتحديث والحداثة.
ويرى صاحب « لا أملك إلاّ المسافات التي تُبعدني » بأنّ « كل مثقف عربي، إذا ما وعى حق الوعي، الوضع الذي يعيشه، هو إيديولوجي عن طواعية وطيب خاطر، وبما هو كذلك، فإنّه يسقط بالضرورة تحت نير التاريخ المشترك، ويكون فكره جدلياً بالضرورة، وهذا الجدل يكشف له أنّ أفقه هو التاريخانية، بما هي استعادة واعية وإرادية، لكونها ضرورية، استعادة لفترة تاريخية سبقت معرفتها، وتحليلها والحكم عليها. هذه التاريخانية ذات المنحى العملي تجرّ من يعتنقها نحو أخلاق نفعية وفلسفة وضعانية. وهذه قد تؤدي إلى عدم الثقة في أي مشروع يرمي إلى استعادة الميتافيزيقا أو تجديد الأنطولوجيا ».
يُضيف بنعبد العالي في كتابه هذا «إن الأُمِّيَّة، ثقافة الأمّ، لا ترتفع لا بإتقان الكتابة والقراءة، ولا بحفظ مقولات عن الكون والإنسان الماضي، بل عندما يستقلُّ المرء بذاته، ويرى فيها المادَّة التي يشيد بها الكيان السياسي. لنقل بلغة كنط: وحده هذا الخروج عن حالة القصور يحرِّرنا من تربية الأمِّ، كي نلج التربية المدنية، والسبيل العملي إليه اعتماد برنامج قد يستغرق جيلَيْن، نعمل فيه على إرساء أُسُس ديموقراطية تتجذَّر في المحلِّيَّة، ولا ننظر إليها على أنها قد تحلُّ بعد ثورة أو تغيير شامل في الآفاق والنفوس، وإنما على أنها ما نجرِّب، ما نرى ونلمس، وما لا نفتأ نجدِّد ونصحِّح».