استهّل رئيس الجلسة الدكتور عبد الله المتوكّل بالحديث عن ما يُضمره عنوان اللقاء من خلال مفهومي التحديث والعقل. باعتبارهما من المفاهيم الأساسية المركزية في الفكر العربي المعاصر. إذ رغم ما أسيل عنهما من مداد كثير، ماتزال هذه المفاهيم تلقى إقبالاً كبيراً من لدن الباحثين، بحكم ما تطرحه من أسئلة قوية في علاقتها بالواقع اليوم. لهذا لا يتوقّف صاحب الكتاب عند تحليل شخصي لهذه المفاهيم، بقدر ما يرصد تطوّراتها عند نماذج فكرية كبيرة. سيما وأنّ المطلب الأساسي هو الحداثة المقترنة بشكل ما بالتحديث. إذْ يعتبر المتوكّل أنه لا يُمكن التفريق أحيانا بين الحداثة والتحديث كما جاء بذلك الكتابة، رغم الخصائص الفكرية والسياقات النظرية التي تجعل هذه المفاهيم تختلف عن بعضها البعض.
وذهب المتدخّل بأنّ الكتاب يرصد على مدار صفحاته العلائق التي تحول دون تحقيق التحديث، أيْ الأسباب التي تقف عائقاً أمام إقامة التحديث وتكريس الحداثة، باعتبارها نمطاً فكرياً منفتحاً على العصر. والحقيقة أنّ هذا الأمر هو ما سمّاه عبد الله العروي بـ « التأخر التاريخي » الذي عمل في مشروعه الفكري على تشريح أعطابه وتوضيح الخلل الكامن في طريقة تفكيرنا تجاه الواقع. واعتبر عبد الله المتوكّل بأنّ الحرب التي تعرفها غزّة الآن تكشف عن الوجه الحقيقي للغرب الإمبريالي المتوحشّ الذي تخلى عن كافة القيم والمفاهيم التي طالما ساهمت في تأسيس حداثته. واستغرب الباحث كيف لهذا الغرب المُنتج لقيم التحديث والمُصدّر لمفاهيم الحداثة للعالم العربي، يغدو بهذه الصورة العشوائية الأكثر تضليلاً للناس. من ثمّ اعتبر المتدخّل بأنّ ما يحدث اليوم في غزّة وخارجها يُخاطب الوعي العربي الإسلامي للنهوض من سباته التاريخي العميق.
أما الدكتور عبد الحميد بن الفاروق، عميد كلية الآداب بالمحمدية، فإنّه يُنبّه الجمهور إلاّ أنّ مداخلته تأتي كقارئ عام يُريد معرفة أزمات العقل السياسي داخل المجتمع العربي، مُعتبراً بأنّ الكتاب يُساعد على ما يجري في الواقع وما يطرحه من تساؤلات عميقة ذات علاقة بالعقل السياسي. من ثم، جاءت مداخلته على شكل قراءة في قراءات تتعلّق بالفكر السياسي المعاصر من خلال الكتاب موضوع الندوة. واعتبر بن الفاروق أنّ الكتاب يحبل بصنوف مختلفة من أيقونات ورواد الفكر العربي المعاصر، سيما وأنّ هذا الكتاب يهتمّ بشكل حصيف بالمسارات الكبرى للخطاب النهضوي، وذلك من خلال الاشتغال على تجربتين سلفيتين، الأولى تتعلّق بعلال الفاسي والثاني بأحمد الريسوني. ورصد الكاتب في نظر المُتدخّل نمطاً فكرياً عميقاً يُلامس قدرات العديد من المفكرين العرب للنظر في قضايا تتعلّق بالتحديث والحداثة والسياسة والعقل وغيرها. وختم عبد الحميد مداخلته العلمية باعتبار أنّ هذا العمل بشرى للبحث العلمي المهتمّ بقضايا الفكر السياسي.
في مقابل ذلك، انصبّت مداخلة الدكتور عزالدين العلام على تقديم قراءة نقدية للكتاب وما يحمل من موضوعات تبدو له في حاجة إلى مزيد من التدقيق العلمي. لهذا جاءت مداخلته على شكل ملاحظات تبدأ من غلاف الكتاب وطريقة طباعته، مُعتبراً أنّ هناك أخطاء كثيرة بالكتاب. ويرى العلام بأنّه لا يُمكن الحديث عن الكتاب كبنية بحكم تنوّع الموضوعات داخل الكتاب، في مقابل وجود أسماء كبيرة للمفكرين العرب منذ عصر النهضة داخل الفكر العربي ونظيره الغربي. هذا الأمر، جعل الدكتور العلام يطرح سؤالاً حول ما إذا كان سيُناقش صاحب الكتاب أو عشرات المفكّرين الذين اعتمد عليهم الكاتب لمناقشة أفكار حول الحداثة والتحديث. من ثمّة اعتبر المُتدخّل بأنّ هذا التعدّد لم يكُن مُفيداً للكتاب، بقدر ما أفقد الكتاب شيئاً ما لدرجةٍ أصبحت فيها الاستشهادات تتكرر.
من جهته أكّد الباحث والكاتب الدكتور محمّد جليد على الوعي بأهمية هذا الكتاب في صياغة سردية فكرية حول بعض شروخ الفكر العربي المعاصر. لهذا جاءت مداخلة جليد على هامش العمل من خلال تأمّل المفاهيم التي جاء بها الكتاب. وكذا رصد الصراع طبيعة الصراع بين القوى المحلية والخارجية، إنّه صراع في نظر الباحث ينطوي على تعبيرات مشكل أزمة التحديث بالعالم العربي، وهو جدل قائم بين الواقع والتاريخ. ورصد الكاتب في نظر الباحث مجموعة من التقابلات الفكرية التأخّر والتقدّم، الأصالة والمعاصر، القانون والشرع، الديمقراطية والثيوقراطية وغيرها من الثنائيات الفكرية. واعتبر جليد بأنّ مشروع التحديث يفتقر لاستغلال الثروات المحلية الخاصة بالعالم العربي، بحكم أنه فقد سيادته عليها زمن الاستعمار، خاصّة وأنّ التحديث ارتبط في نظر محمّد جليد بالمرجعيات الغربية، في وقتٍ ما ينبغي العمل عليه هو خلق الشروط انطلاقاً من الذاكرة المغربية وبيئتها.