أشرف الحساني يكتب: إلى عبّاس الجيراري.. جعلتَ الحلم مُمكناً

أشرف الحساني

في 21/01/2024 على الساعة 15:30, تحديث بتاريخ 21/01/2024 على الساعة 15:30

توفي البارحة 20 يناير 2024 الناقد والأكاديمي الكبير عباس الجيراري، رجل جمع في حياته بين الثقافة والسياسة، بعدما شغل منصب مستشار ملكي، لكنْ مع حفاظه على دوره كمُثقّف على مُستوى الكتابة وإنتاج الأفكار واقتراح خطط ثقافيّة بديلةٍ، تُخرج الثقافية المغربية من التقليد والاجترار الذي طبعها خلال الحديثة من مسارها المعرفي.

رحل عباس الجيراري عن عمر 86 بعد مكانة شغلها صاحب « الحرية والأدب » في وجدان المثقفين المغاربة. إذْ استطاع إخراج الثقافة المغربية من التقليد ودفعها صوب الحداثة. غير أنّ هذه الحداثة عند الجيراري، كانت ذات صلة بالجذور ولا تتنطّع صوب الآخر الذي يعيش فينا ونعيش فيه. أيْ أنّها حداثة أدبيّة مبنيّة على التراث المغربي وجمالياته. لقد أنجز الراحل دكتوراه في القصيدة الزجلية بالمغرب. وكات الأطروحة بمثابة كشفٍ أدبي مُذهل في ذلك الإبان داخل ثقافة مغربيّة بدت وكأنّها تنتصر للمركز وتنفي الهامش وموضوعاته وقضاياه وإشكالاته. فبرزت كتابات الجيراري في هذا المضمار وأعطت للثقافة الشفهية والأدب الشعبي منها خاصّة، قيمة كبرى للتفكير في الإمكانات الجمالية التي يُحقّقها هذا الأدب. وبالنظر إلى طبيعة تكوينه التقليدي في القاهرة، كان الجيراري يمتلك قدرة هائلة على التحليل ومُخيّلة واسعة لتفسير بعض المراحل التي مرّ منها الأدب الشعبي في سبيل تكريس شرعيته داخل الثقافة المغربيّة الحديثة.

صدر للجيراري مؤلفات كثيرة مثل « الأدب المغربي »، « في الإبداع الشعري »، « ثقافة الصحراء »، « في الشعر السياسي »، « القدس الشريف »، « عاشوراء عند المغاربة »، « معركة وادي المخازن في الأدب المغربي »، « تطوّر الشعر العربي الحديث والمعاصر في المغرب من 1830 إلى 1990″ وغيرها. وبالرجوع إلى الريبرتوار العلمي الغني للأستاذ عباس الجيراري، يتبيّن للمرء إلى أيّ حد استطاع هذا الرجل خوض مغامرة الكتابة في قضايا لم يكُن يُفكّر فيها النقاد المغاربة. رغم أنّ الجيراري كان له الفضل في دفع العديد من الباحثين والكتاب إلى الاشتغال على الأدب الشعبي وجمالياته. وحرص فيه داخل جامعة محمّد الخامس بالرباط، على تكوين عشرات الباحثين في هذا المجال الذي يعود له الفضل في إبراز ملامحه الجمالية وخصائصه الفنية. وتُعتبر دراسته المُبكّرة في القصيدة الزجلية من البحوث الرائدة التي قدّمت وعياً دقيقاً ومغايراً بالكتابة الأدبيّة الشعبية. ومن ذلك الإبان ظهرت كتابات زجلية تُعلي من قيمة هذا اللون الشعبي، كما برزت عدد من الدراسات النقدية المسايرة لتطور القصيدة في شكلها الشعبي والمنابع الثقافيّة التي منها تستمدّ وجودها وأصالتها.

عُرف عن الراحل تواضعه ونزوعه إلى الصمت أكثر من النجومية. فهو مثقّف أصيل في تكوينه، وفقيه في مادته العلمية وخبيرٌ في استشاراته السياسية. وعلى الرغم من اشتغاله مستشاراً للديوان الملكي، ظلّ الرجل قريباً من الممارسة الثقافية في شكلها العلمي عبر مجموعة من المؤلّفات النقدية والدراسات الفكرية.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 21/01/2024 على الساعة 15:30, تحديث بتاريخ 21/01/2024 على الساعة 15:30