يعد بلقزيز من المفكّرين والأكاديميين المغاربة القلائل الذين راكموا تجربة فكريّة تميّزت بإبدالات هامّة على مستوى الكتابة والتفكير والتأمّل. فكتاباته أصيلة من حيث المرجع وغنية على مستوى تجلياتها داخل الواقع، بما يجعلها كتابة متحوّلة لا تستقر عند مفاهيم بعينها، بقدر ما ترسو صوب منافذ ضوءٍ جديدة بها تضمن الكتابة أصالتها وتوهّجها على مستوى التفكير والاختلاف والبحث عن آفاقٍ فكرية مغايرة داخل الواقع العربي. كما أنّ صاحب «رائحة المكان» يعد امتداداً حقيقياً لزمرة من المفكرين الذين طالما جلعوا من الفكر وسيلة لرؤية العالم والكشف عن تناقضاته ومزالقه وأعطابه وتصدّعاته، بما يضمن للكتابة الأدبيّة استمراريتها على أساس أنّها نمطٌ من التفكير المختلف القادر على أنْ يُضمر في ثناياه مرجعية تاريخية وخطاباً فكريا كما هو الحال في رواية « الحركة ».
إنّ سر التعدّد الذي وسم تجربة بلقزيز منذ بداياته «شاعراً» يرجع إلى الزخم الفني الذي يتمتّع به بلقزيز في ذاتيته وقدرته على تطويع جسده وفق مناخات تخييلية مختلفة. وقد أنتج بلقزيز العديد من الروايات والنصوص الأدبيّة المفتوحة العابرة للحدود بين الأجناس الأدبيّة، بما يجعل النصّ ينفي سلطة الجنس الأدبي ويتدفّق حركته وجريانه مثل شلال يفيض بالحكي والسرد والاستعارة والمجاز.
يقول بلقزيز في كتابه الجديد « لقد أصبح الإنساني في الإنسان موضع نظر منذ أن أدخلت نتائج الثورة في العلوم البيولوجية في دوائر الإمكان التدخل في الهندسة الطبيعية للكائنات الحية، بما فيها الإنسان، ومنذ شرع الذكاء الاصطناعي في الاعتياض عن الإنسان بالآلة وعن العمل الإنساني بالعمل الآلي، وعن ذكائه بـ « ذكاء » التكنولوجيا. إن عصر الإنسان الآلي هو بالتعريف عصر نهاية الإنسان والأنكى والأمر أنه ما منن أحد أوصل الإنسان إلى هذا المآل سوى الإنسان نفسه. لقد كان الإنسان دائماً وعبر تاريخه المديد، ضحية جهله فكان عليه أن يتعلم ويعلم كي يغالب شروط الحياة. أما اليوم فبات الإنسان حقاً ضحية علمه الذي يودي به أي هويات وأي قيم يا ترى يمكن الحديث عنها في هذا المنعطف الجديد؟
حاول بلقزيز في هذا العمل إثارة « أسئلة وإشكاليات أكثر مما سعينا في الجواب عنها، جواباً قطعيا، إلا في ما ندر. وهو اختيار مقصود حيث تهدف مواد الكتاب إلى تنمية حس التسال والنقد في المقام الأول، فعسى أن تكون أصابت في ذلك من النجاح حظا ».
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا