ويرى محمد بلاجي، الباحث الأكاديمي المختص في أنتروبولوجيا الثقافة الشعبية، أن احتفالات "عاشوراء" في المغرب، هي نسق طقوسي شديد التعقيد، ترافق هذا الاحتفال انطلاقا من عيد الأضحى، الذي يعد بداية التحضير له، بأخذ أحذ عظام الأضحية (الكبش) ليصنعوا منه (دمية عاشوراء).
ويقول بلاجي في تصريح لle360 ، جرت العادة أن ينقع هذا العظم في الحناء، ويلبسونه القفطان والجلباب المغربي، إضافة إلى نعل (البلغة)، ويزينون عنقه بعقد يسمى (مدجة)، خوفا من إصابته بالعين، فيما يصنعون من جلد الخروف أقنعة استعداد للاحتفالات الكرنفالية بهذا اليوم".
ويرى بلاجي، في هذه الطقوس المرتبطة ب"بابا عيشور" بأنها "، لعبة أخضعها الكبار للصغار لكي يجتمعوا على رأي واحد، وليتدربوا على الاعتماد على أنفسهم في إعداد الطعام، وأن يتعلم الذكور منهم طرق وقواعد تغسيل الميت والصلاة على الجنازة، والذهاب إلى المقبرة ليدركوا معنى الموت، ويندرج كل هذا تبعا له، في التربية والتعليم عن طريق اللعب".
ويوضح بلاجي، أن يوم عاشوراء الذي يصادف العاشر من محرم، كان مناسبة للصيام بالنسبة لليهود، فلما وجدهم الرسول (ص ) على هذه الحال، سأل عن سبب ذلك، فلما قالوا له إن هو ذلك اليوم الذي خلص فيه الله تعالى سيدنا موسى من الغرق في النيل وأهلك فرعون، قال لهم الرسول نحن أحق بموسى، وسنصوم يومين لكي نختلف عن اليهود، ويكون اليوم الإضافي إما قبل العاشر من محرم أو بعده.
ومن مظاهر الأشكال الاحتفالية التي تحيل على حضور العنصر اليهودي في مناسبة عاشوراء، يذكر الباحث، ببعض الأشكال الفرجوية التي تنظم ببعض المناطق بجنوب المغرب، خاصة بسوس، حيث يقومون بتجسيد شخصية تسمى “أوداي”، وتعني حسبه، بالأمازيغية اليهودي، الذي يلبسونه جلد الخروف أو الجمل، ليكون عرضة للتهكم من طرفهم.
ويؤكد على أن هذا الطقس، أصبح الآن مجرد لعبة، ولم يعد يحمل الدلالات التي كانت له في القديم، في حين لازالت "الشعالة “، ترتبط في المخيال الشعبي التقليدي برمزية الانتقام من اليهود، الذين قتلوا سيدنا الحسين، وقاموا بشيه على النار، مع العلم أن بنو أمية هم من قتلوه، مشيرا إلى أن هذا التصور الخاطئ لدى الناس في المجتمع التقليدي، استقاه من خلال بحث ميداني أنجزه حول احتفالات المغاربة بعاشوراء.
أما "الشعالة"، وما يرتبط بها من احتفالات وأهازيج شعبية، فهي تبعا له، لحظة تحرر بالنسبة للنساء، وبمناسبتها يسرحن في مختلف الدروب ليستقطبن نسوة هذه الأحياء، ويعقدن معهن الصلح إن كن على خصام.وفي هذا الحفل كذلك يرددن بعض الأغاني مثل "قديدة مرمية على الأعواد".، في إشارة إلى لحم القديد الذي احتفظن به من أضحية العيد، لشوائه في هذه الليلة، تبعا لاعتقادهن بأنه يصلح للمرأة العاقر، ويهب الزوج لغير المتزوجة.
ويوضح بلاجي: "النار في هذه الطقوس ترتبط عند العوام بقصة القاء النبي إبراهيم عليه السلام في النار ، وبالتالي فإن الشباب حين يقفزون عليها فهم لا يتخوفون منها"، كما أن للنار قداستها عند المجوسيين في الزمن القديم، وتحولت الآن إلى لعبة كما هو الحال لشعلة الألعاب الأولمبية.
وتحدث بلاجي كذلك عن الرش وعادة اغتسال المغاربة في الصباح الباكر من يوم عاشوراء، مشيرا إلى أن عادة الرش كانت سائدة قديما عند النصارى بمصر، والذين كانوا يحيون عيدا يسمونه ب "القلندس“، كما أن النصارى يقومون بعملية رش أطفالهم بالماء، ويعني ذلك التعميد، أي دخول الطفل إلى المسيحية، بما يقابل الختان في الإسلام عندنا.
ويتابع: "إن سبب وضعهم لزمزم كمرادف لعملية الرش، اعتقادهم أن مياه الأرض تكون زمزمية يوم عاشوراء، وهم في ممارستهم لهذه الطقوس، يسعون لجلب البركة والتطهر، لذلك تكون المأكولات بهذه المناسبة استثنائية وتتشكل في غالبها من الفواكه الجافة، التي يتصدق ببعضها أثناء زيارة المقابر للترحم على الأموات".
ويختم بلاجي، حديثه بالقول، إن احتفالات عاشوراء يتخللها الحزن كما هو عند الشيعة الذين يندبون خدودهم ويضربون صدورهم، غير أن هذه الممارسة عندنا في المجتمعات التقليدية لا تصل إلى هذا الحد، إنهم يكتفون بالبكاء الحقيقي على "بابا عايشور”، وبعدها يسود الفرح المعبر عنه بالنقر على الدفوفو و"الطعاريج"، وولائم الأكل.