تعتبر أعمال من قبيل: عائشة الدويبة » و« حديدان » أكثر الأعمال التي ظلّت مترسّخة في وجدان الناس وذائقتهم الجمالية. وذلك بحكم موضوعاتها وطرافتها ومكائد شخصياتها وجماليات إكسيسواراتها. بل إنّ هذه الأعمال على تواضع إمكاناتها من ناحية الإنتاج، استطاعت أنْ تخلق على مدارس نوات جدلاً فنياً بموضوعاتها وتنجح إلى حد كبير في جمع العائلات المغربية أمام شاشة التلفزيون. وذلك بطريقة تُتيح للمخرج إمكانية التعريف بالتراث من خلال المدخل الحكائي المتّصل بالثقافة الشعبية ومباهجها. إذْ نادراً ما نعثر على أفلام سينمائية أو تلفزيونية اشتغلت على الثقافة الشعبية وجعلت منها أفقاً للتخيل الفني، سواء كان ذلك على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة. لكنْ هذه الأعمال وغيرها انتبهت إلى المخزون الحكائي الرمزيّ وما يُمكن أنْ يلعبه من دورٍ كبير على مُستوى الصناعة الفنية. إذْ يُتيح التراث تفاعلاً قوياً مع الممارسة الفنية، ليس من جانب التعريف بهذا التراث فقط، ولكنْ أيضاً بإمكاناته في التخييل السينمائي.
لم تحظى الثقافة الشعبية بما تستحقّه، سواء من لدن الفنانين والمخرجين أو حتى من لدن الباحثين في مجال الأنثروبولوجيا. إذْ لا نعثر على بحوث علمية تناولت هذا الموضوع بالدرس والتحليل، بحوث تُعرّف بقيمة هذا التراث وتبرز مكانته المركزية في ذاكرة المغاربة. لكنْ هذا الغياب حاول التلفزيون في إطار الترفيه أنْ يقترب من عوالمه ويجعله مادة تخييلة للعديد من المسلسلات البرامج. وبغضّ النّظر عن جدية هذه الرؤية من عدها، فقد حققت هذه الأفلام مشاهدات عالمية، طالما أن الأمر يتعلّق بأعمال تراثية لا يجد فيها المتفرّج أي خدش للحياء بالمنطق الأخلاقي للكلمة. وقد يكون هذا العامل سيئاً بالنسبة لهذه الأعمال، لأنّه يحكم عليها بالتقليد ويجعل منطق الحكاية تقليدياً وغير قادر على اختراق مكبوث المجتمع وأمراضه.
حين نريد أنْ نُفكّر بالتراث داخل الصورة التلفزيونية، ينبغي طرحه وفق رؤية معاصرة تجعله يخرج بشكل كامل من سراديبه المظلمة، صوب اختيارات جمالية تحكم عليه بالتجديد. لا يرتبط التجديد بمسار الحكاية الشعبية التي ينتهجها المخرج على مستوى التخييل، بل بتغيير مسارها وجعلها تتقاطع مع بعضٍ من قضايا الراهن وأوجاعه. وهذا الأمر، يُعتبر عاملاً حاسماً بالنسبة للمخرج الذي يجد نفيه في موقع المبدع الحقيقي الذي يستوعب التراث، ثم يُعيد لاحقاً طرحه بطريقة ذاتية.