أشرف الحساني يكتب: التراث في خدمة الفنّ

أشرف الحساني

في 09/02/2024 على الساعة 11:30, تحديث بتاريخ 09/02/2024 على الساعة 11:30

أولت التجارب التشكيلية المغربية أهمية كبرى للتراث. إذْ يعثر المتابع على عددٍ كبير من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية والتشكيلية والموسيقية التي جعلت من التراث أفقاً للتفكير.

بدأ التفكير في التراث في اللحظة التي أحسّ فيها المغاربة، أنّه لا أفق لهم خارج تاريخهم وذاكرتهم. فالحداثة ليست نسفاً لكلّ قديمٍ لا يُعوّل عليه، بل تكاد تكون ضرباً من العودة إلى الماضي والاحتفاظ بما يخدم المجتمع من أجل تحقيق حداثته. حاول الاستعمار أنْ يُهدّد مواطن التراث. وذلك بعدما حاول عبر طرقه وآلياته، أنْ يُكسّر العادات والتقاليد والقيم والفنون الشعبيّة. ورغم أنّه لم ينجحه فيما كان يُفكّر في تهديمه، بحكم العلاقة الكبيرة للمغاربة مع تراثهم. ووجد الاستعمار صعوبة كبيرة في فرض بعض الأنماط الفنية والعمل على تكريسها على أساس أنّها فنّ حديث ينبغي للمغاربة احترافه. وكلّما اشتدّت شوكة الاستعمار من الناحيتين العسكرية والسياسية، كان المغاربة يجدون في فنونهم الشعبية نوعاً من الخلاص الجمالي الذي يدفعهم إلى المقاومة بالفنّ.

ولعلّ غناء العيطة يُعدّ أحد أبرز هذه الفنون التي شغلت الفنانين الشعبيين. ليست العيطة مجرّد أغاني يسمعها المرء للطرب والترفيه، بل هي وثيقة تاريخية تُظهر نمطاً جديداً من المقاومة بالفنّ. صحيح، أنّه لم يكُن هناك وعيٌ لدى خربوشة مثلاً بجدلية الفن والسياسة أو الجمال في مقابل الإيديولوجيا. لكنّ رغبة المرأة في التحرّر من بطش قائد القبيلة، جعلها تعمد إلى الأغنية كوسيلة لإدانة فداحة الاستعمار الفرنسي وتعرية بطش القائد وسُلطته القمعية.

السُلطة الوحيدة التي مارسها الاستعمار على الفنّ التشكيلي، كان بالنسبة للفنانين تتمثّل في ضرورة الثورة على مفهوم السند. لهذا عملت جماعة 65 مع فريد بلكاهية ومحمد المليحي ومحمّد شبعة، على إعطاء نفحة تجديدية للوحة. لقد وجد هؤلاء الفنانين في الأساليب التراثية ما يُشجّع على التفكير في تجديد الممارسة التشكيليّة. وكان اللجوء إلى التراث يُشكّل منعطفاً كبيراً في تاريخ التشكيل المغربي. وذلك لأنّه جعلها تقطع بشكل كلّي مع الممارسات الفنّية التي أتى بها الاستعمار. أصبح التراث في هذه الحركة بمثابة براديغم يُخلخل المرتكزات الثقافيّة الاستعمارية ويُكرّس ثقافة مغربية حديثة متأثرة بتحوّلات المرحلة وأسئلتها القلقة.

كما لعبت مجلة « أنفاس » التي كات يُديرها الشاعر عبد اللطيف اللعبي، دوراً كبيراً في التعريف بهذه الحركة ومكانتها في تاريخ الفنّ المغربي. إذْ يعثر المتابع على كتابات هامّة ساهمت في تأصيل هذه التجربة من ناحية التفكير، وجعلت التجربة تُصبح معروفة عند الكتاب والنقاد المهتمين بالمسار التشكيلي. وإذا كان للمجلة أيّ مزيّة ثقافية، فإنّها كانت سبّاقة إلى طرح مفهوم التراث داخل التجربة التشكيلية وقدّمت وعياً دقيقاً بمكانة هؤلاء الفنانين المغاربة.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 09/02/2024 على الساعة 11:30, تحديث بتاريخ 09/02/2024 على الساعة 11:30