بل إنّ هذا الموقع الجغرافي، يجعله اليوم يمتلك قيمة داخل المنطقة المغاربيّة ويتميّز بخصوصية على مستوى السبق بالنسبة للعديد من الدول التي تتفاعل مع مخطّطاته الثقافيّة ومقترحاته الفنية، نظراً للصورة التي غدا يتميّز بها البلد في السنوات الأخيرة، ما جعل الكثير من رموز الدول الكبرى تحج إلى المغرب، وتعمل على نسج علاقات قوية، سواء من الناحية السياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الثقافيّة. هذا الامر، انعكس بشكلٍ إيجابي على السياحة الوطنية التي غدت مداخيلها أكثر من السابق. وأصبح المغرب بموجبها أكثر البلدان محبّة للسائح الأجنبي. إنّ هذا العنصر اللامتناهي المتمثل في التاريخ والفنون قدّم صورة مميّزة وجعله يجترح لنفسه صورة البلد « المتعدّد » بتعبير عبد الكبير الخطيبي أو « المركّب » بتعبير بول باسكون.
غير أنّ هذا الزخم من التعدّد، لم تعمل السينما المغربيّة على استثماره بطريقة يغدو معها مؤثّراً في سيرة ووجدان المُشاهد. بل مازالت السينما تتعامل مع هذا العصر السياحي وكأنّه غير مهمّ، فإذا تعمقنا في النّظر إلى الأمر، سنجده يتجاوز مسألة الإكسيسوار إلى فضاء فكريّ يتعلّق بالصورة وجماليّاتها في المَشهد السينمائي.
تنعكس الأضواء والأنوار والألوان والفضاءات على فيزيونومية الصورة السينمائي، وتدفعها بشكلٍ خفيّ إلى البحث عن جماليّات جديدة، تعمل من خلال على تجديد عنصر الصورة. بل إنّ هذه الأخيرة، ورغم مكانتها التقنية بوصفها المختبر الحقيقي لفعل المُشاهدة، لا تجد الاهتمام اللازم داخل بعض التجارب السينمائية. وكأنّ جماليات الصورة لا علاقتها بفعل التخييل، مع أنّها تُمثّل الأفق الحقيقي لتطوّر الفيلم السينمائي. في السينما التركية نرى اهتماماً كبيراً بالجانب السياحي، لكنْ ليس لتلك الدرجة التي يُصبح فيها الفيلم بمثابة دعاية بصرية. لأنّ السيناريو الجيد والإخراج القويّ دائماً ما يعملان للوصول إلى صور مركّبة تدمج في طيّاتها كافة العناصر الفنية والمؤثرات الجمالية التي بإمكانها أنْ تُقدّم إسهامات هامّة للفيلم السينمائي وتدفعه إلى البحث عن جماليات أخرى.
يحضر التراث في السينما المغربية، بوصفه مجرّد إكسيسوار. إذْ نادراً ما تعثر على فيلم سينمائي أو مسلسل درامي، يعمل من خلال هذا التراث على بلورة مفهوم آخر للتراث منه تتبلور الرؤى والأفكار وعلى منواله تبني الصورة حياة جديدة له. وبغض النّظر عن مدى الاستعمال هذا التراث في الفيلم المغربي، فإنّه لم يخرج بعد من توظيفه كـ « إكسيسوار ». فاستخدام زربية أو جلباب تقليدي أو موسيقى شعبية، لا يجعل من العمل الفني يمتلك خصوصية تراثية، لأنّ ذلك يجعله يسقط في البُعد الفولكلوري الذي عادة يُحبّه المستشرقون الأجانب وعملوا على تكريسه من بدايات القرن العشرين والمُتعلّق أساسا بـ « الغرائبية » التي حاولوا أنْ يصبغوها على بلاد المغرب، كما هو الحال لعشرات الأفلام السينمائية الأمريكية التي تُصوّر مغرب اليوم وكأنّه صحراء أو خلاء ترعى فيه الإبل والخيول.