أشرف الحساني يكتب: «من لحيتو لقم ليه»

أشرف الحساني

في 12/06/2024 على الساعة 20:45

ثمّة أسماءٌ فنّية لا شغل لها إلاّ المهرجانات السينمائية. وجوهٌ تراها في كلّ المهرجانات، ما يدفع المرء إلى طرح السؤال: متى تشتغل هذه الوجوه الفنّية على أعمالها السينمائية؟ وهل تعمل حقاً على تطوير نفسها بين فيلمٍ وآخر، سواء بتعلّم اللغات الأجنبية أو إعادة ضبط حركات الجسد، استعداداً لفيلم آخر مغاير عن سابقه؟ أم أنّ الأمر يتعلّق بـ « بركة » فنّية صالحة لكل الأفلام والمسلسلات؟

نادراً ما يعثر المُشاهد والمتابع على مواهب فنية مغربية ذات خصوصية مهنية أصيلة في الفنّ السابع. فحين يتعلّق الأمر بالمهرجانات السينمائية، فإنّ المرء يجد نفسه أمام نفس الوجوه التي تتكرّر من مهرجان إلى آخر. بهذه الطريقة تصبح المهرجانات عبارة عن حفلات وموائد وأعراس وأمكنة للراحة والاستجمام وليس للمشاهدة والكتابة والعمل. لا تتوفّر المهرجانات على خطّة دقيقة بها يصبح الضيف فاعلاً ومؤثراً، سواء من خلال الورشات أو الندوات أو الماستر كلاس، بل إنّ أغلبهم عبارة عن سياح يقضون أياماً طويلة دون أنْ يقدموا شيئاً للمهرجان. أمرٌ كهذا يُفقد بهجة المهرجان ويجعله فضاءً عادياً أو عرساً عائلياً، حيث يكثر الرقص والصُوَر وتتراجع المشاهدة والتأمّل. فبعد أنْ كانت المهرجانات تلعب دوراً من الناحية السينمائية على مستوى المشاهدة وتعميق النظر في التجربة الفيلمية المغربية، أضحت اليوم عبارة عن فضاءات « فنية » غير قادرة على إنتاج خطاب سينمائي قويّ يُساير تحوّلات السينما المغربية.

ومع ذلك فإنّ إدارة المهرجانات تعمد إلى هذا النوع من الفنانين الذي يعطون للمهرجان شهرة، بعدما يتحوّل إلى فضاء ترفيهي وتهريجي في آن واحد. ليس المهرجان مكاناً للراحة والاستجمام، بل هو فضاءٌ للمُشاهدة والتأمّل والنقاش مع الجمهور. فهو يتيح للناس إمكانية مشاهدة أفلام ولقاءات مباشرة مع الممثلين والمخرجين وتحقيق نوعٍ من التواصل الفعّال والمؤسّس على المعرفة والنقد والمشاهدة. إنّها لقاءات عابرة، لكنّ فوائدها كثيرة على المستوى البعيد. وذلك لكونها تُشجّع على تكريس السينما باعتبارها فناً بصرياً شعبياً يفتح البلد على العالم. إنّ السينما المغربية أصبحت اليوم تُشاهد عربياً ودولياً وهو أمرٌ طالما افتقدناه منذ ثمانينيات القرن الماضي. غير أنّ صعود بعض الوجوه السينمائية الجديدة ساهم بشكل مذهل في الانفتاح على أشكال سينمائية جديدة وضخ دماءٍ جديدة في شرايين السينما المغربية ومتخيلها.

بهذه الطريقة تصبح المهرجانات بديلاً عن صمت الجامعات، أيْ أنّها تتحوّل إلى مختبرات تنتج المعرفة ولكنْ بنفسٍ مغاير ومختلف. بيد أنّ هذا الأمر، لم تنتبه له المهرجانات ويبدو وكأنّه لا يُمثّل أيّ مشكلةٍ بالنسبة لها، ما دامت هذه المهرجانات مستمرّة وتعمل برؤية واحدة لا يطبعها أيّ تجديد أو تجدّد. إذْ غالباً ما تكون هذه الوجوه مُكرّرة، سواء في اللقاءات أو لجان التحكيم أو حتّى الورشات الإبداعية. والحقيقة أنّه بمثل هذه السلوكات يتراجع تأثير المهرجانات في المشهد السينمائي، لأنّها أصبحت فضاءً للترفيه والمتعة وليس للتفكير والتأمّل. وغالباً ما تكون هذه اللجان مكوّنة من أعضاء مهرجانات أخرى، بما يضمن لمدير المهرجان حظوة رمزية في مهرجان أخرى، فيجد النقاد أنفسهم في حالة من اليتم بعدما يرون مثل هذه السلوكات الرديئة وهي تُظلّل مشهدهم السينمائي وتتكاثر يوماً بعد يوم.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 12/06/2024 على الساعة 20:45