وتأتي هذه التجربة انطلاقاً مما حققته بعض التجارب الإعلامية من قفزة داخل الوسط الصحفي جعلتها تنتقل إلى فضاء أرحب من الكتابة، حيث الذات تتحرّر من تقريرية الكتابة الصحفية وتدخل في اشتباك حقيقي مع عنصر اللغة، التي تعتبر الخيط الناظم بين الشاعر وعوالمه التخييلية. وقد يظُن القارئ أنّ اللجوء إلى العالم الشعري يأتي بوصفه مساحة لخلق متنفس جديد للذات، لكنّها في الحقيقة نابعة من شغاف الجسد ومن رغبة في تحرير العقل من كلّ ما هو واقعي داخل الكتابة الصحفية اليومية.
وفق هذا المعطى الرمزيّ، يطالعنا كوكبة من الإعلاميين بدواوين جديدة مثل: "اعترافات تحت التعذيب" لرشيد نيني و"خوذة بنصف رأس" لحفيظة الفارسي و"أنفاس الكينونة" و"حلم أعلى الوسادة" لمحمد بشكار". وهي أعمال بقدر ما تطرح سؤال راهن الشعر الجديد في المغرب، تُثير أسئلة حقيقية حول السر وراء هذا الانفتاح على الكتابة الشعرية في وقتٍ ينصرف فيه الشعراء إلى كتابة الرواية، وما إذا كانت هذه الدواوين تستطيع قلب المعادة الثقافية من خلال تحرير الكتابة الصحفية على مستوى الأسلوب من نمطها الخبر، صوب كتابة تعنى بالشكل الأدبي، لكنّها تراهن في آن واحد على حصافة الكتابة الإعلامية ودقّتها من حيث المعلومة.
وبالرجوع إلى بعض سير الذاتية لهؤلاء الإعلاميون المغاربة، نجد أنهم كانوا شعراء في الأصل وأحبّوا الكتابة الشعرية، لكنّهم اختاروا الصحافة عملاً لهم، بحكم ما تمكنه هذه المهنة من شحذ ثقافةٍ واسعة تُمكّن الشاعر من فهم مجتمعه والغوص في مواجعه وأحلامه.