الروائي المغربي محسن الوكيلي لـLe360: نعيش زمن الرواية وهي ديوان العرب الحديث

الروائي المغربيّ محسن الوكيلي

الروائي المغربيّ محسن الوكيلي . DR

في 11/05/2022 على الساعة 14:00

يكتب الروائي المغربيّ محسن الوكيلي رواية جديدة بعنوان "أسير البرتغاليين"، بعد أنْ جعل من تاريخ المغرب الحديث، مَسرحاً لبلورة مسارٍ سرديّ غنيّ بالأحداث ومُتنوّع الدلالات على مُستوى آليات الحفر فيه، بما يجعل كتابته، تعمل على نقد التاريخ، وتُعيد بناءه بطريقةٍ يتقاطع فيها التاريخي بالواقعي والتخييلي بال

بمناسبة صدور روايته "أسير البرتغاليين" ووصولها القائمة القصيرة من جائزة البوكر للرواية العربيّة لهذه السنة، كان لـle360 هذا الحوار الخاصّ معه:

1. محسن الوكيلي، أوّلاً، ما الذي يعني لك كروائي مغربي وصول روايتك الجديدة "أسير البرتغاليين" إلى النسخة العربيّة من جائزة البوكر العالمية؟

استطاع الأدب المغربي على مراحل أن يصنع له حضورا متميزا في الساحة الأدبية العربية من خلال أسماء استطاعت أن تمثل الأدب المغربي خير تمثيل وتكون سفيرة بامتياز لثقافتنا وهويتنا.

وصول رواية "أسير البرتغاليين" للتنافس على اللقب العربي المهم "بوكر" هو تكريس لهذه الدينامية وإسهام إضافي في إغناء المكتبة المغربية والعربية. سعيد بهذا الشرف وأتطلع في الوقت نفسه إلى مواصلة الدرب وطنيا وعربيا ودوليا.

2. جئت إلى الكتابة الروائية؟ وما هي المُنطلقات الفكريّة التي دفعت إلى احتضان هذا الجنس الأدبي، مقارنة بالشعر والقصّة، أو حتّى أجناس فنّية أخرى كالسينما والمسرح؟

أعشق عدة أجناس أدبية، مولع بالفنون على اختلافها. سيلاحظ المتتبع أنني أكتب القصة القصيرة بشكل متواصل ولي نصوص مسرحية توج أحدها بجائزة الشارقة للإبداع العربي.. لا أومن بوجود حدود صارمة بين الأجناس الأدبية، أنتقل من جنس أدبي إلى جنس أدبي آخر بمرونة ومتعة.

عندما أكون قاصا أنسى الروائي، ولما أكتب المسرح أعيش طقوسه كما هي، لكنني، مع هذا، أدمن على كتابة الرواية، ذلك أن الرواية أكثر الأجناس الأدبية انفتاحا، يمكن للكاتب أن يجرب تقنيات الإخراج السينمائي وكتابة القصة القصيرة والمقال وغيرها وهو يكتب عملا روائيا.

الرواية أيضا أكثر الأجناس الأدبية شيوعا في عصرنا. إننا، وبدون منازع، نعيش زمن الرواية، يمكنني أن أقول إن الرواية ديوان العرب الحديث.

نعم الفنون على اختلافها لكنني روائي أكثر من أي شيء آخر.

3. فكرياً، كيف اهتديت إلى كتابة رواية تاريخيّة، تدور عوالمها التخييلية خلال مرحلة تاريخيّة هامّة من تاريخ المغرب الحديث؟

أولا وجب القول إن الرواية عالم تخييلي بامتياز، لكنها، في سبيل تحقيق إفادة وإمتاع وجمالية أكثر تستثمر مختلف العلوم والمجالات. التاريخ كخزان للتجارب الإنسانية يغوي بالتجريب.. إلا أن الكاتب، في نظري، مطالب بانتقاء الزمن الأنسب والمكان المثالي لتحقيق الاستثمار الأنجع، فالزمكان هو فضاء حياة وتحرك الشخصيات.

وقد يتحول بحسب السياقات إلى عنصر أكثر تأثيرا وخطورة وفعالية من عناصر الرواية الأخرى. في رواية 'أسير البرتغاليين' تم اختيار بداية عهد الحكم السعدي كزمن للرواية. لذلك ما يبرره بالطبع، فالفترة الزمنية المحددة عرفت مخاضا على كافة المستويات ما استتبعه تأثير عميق لا زالت آثاره مستمرة حتى اليوم. نحن في حاجة للنظر إلى الماضي حتى نفهم حاضرنا. أسير البرتغاليين هي دعوة للاهتمام أكثر بالماضي بغية قراءة أسلم للحاضر.

4. شكّل الغزو الإيبيري للسواحل المغربيّة حلقة مُؤثّرة في تاريخه السياسي، وقد انعكس ذلك على المُستوى الاجتماعي، حيث تمّ ترحيل آلاف من المغاربة وأسرهم إلى البرتغال. محسن الوكيلي، ما الذي أثّر فيه بالضبط وجعله تُفرد لهذه المرحلة التاريخيّة رواية بأكملها؟

في خضم قراءتي للتاريخ من مراجع وزوايا مختلفة كنت أفاجأ في كل مرة بوقائع صادمة، تفاجأت وأن آلاف المغاربة كانوا قد وجدوا أنفسهم مضطرين لركوب البحر ليصيروا عبيدا لدى البرتغاليين وبآخرين اضطرتهم المجاعة لبيع أولادهم لقاء طعام يبقي أولادا آخرين على قيد الحياة.

مر زمن كان فيه المغربي يركب حصانه في ضيعته وعينه جهة البحر خوفا من الغزاة البرتغاليين. في الوقت نفسه كان مغرب آخر ينهض. مغرب قوي وعظيم استطاع أن يقهر البرتغاليين والإسبان في معركة واحدة سنة 1578 ويبقي العثمانيين بعيدا عن أرضه. بين مغربين، واحد منكسر ومغلوب وآخر متماسك ومنتصر تأتي الرواية كمحاولة لتسليط الضوء عن جزء مما جرى. تاريخ يتطلب عملا جادا بغية إعادة النظر إليه وتمحيصه. الأدب أحد الأدوات التي تساهم في هذا، لا تقدم دراسات، لكنها تسلط الضوء وتستفز لإعادة القراءة.

5. ما المصادر والمراجع التي استند إليها في روايتك، من خلال شحذ وجدانك التاريخي وإعادة توليف وصياغة هذه الآفاق التاريخيّة، صوب كتابة تخييلية تستمدّ عوالمها من أرضية التاريخ وذاكرته؟

أنا أعشق التاريخ، درسته في الجامعة وكانت لي دائما زاوية نظر مختلفة معتمدا في ذلك على قراءة المراجع الأصيلة والدراسات الرصينة لمحطات تسبق المرحلة السعدية، فقرأت بشغف كتاب وصف إفريقيا للوزان وكتاب الحادي للإفراني وتدرجت وصولا إلى القرن الخامس عشر والسادس عشر، حيث توقفت طويلا عند المؤلف المجهول وكتابه تاريخ الدولة السعدية التكمدارتية، فضلا عن سلسة من المؤلفات التي اهتمت بدراسة الأوبئة والمجاعات. 

6. كيف يستطيع قارئ الرواية التمييز بين الواقعي ـ التاريخي والتخييلي ـ الفنّي؟

إنها لعبة السرد والإيهام، تتداخل الخيوط كثيرا، فلا يعود المرء يميز بين التاريخي والتخييلي. خطوط مرهفة تذوب في بعضها البعض لتوهم أحيانا كثيرة أن حدثا تاريخيا ليس أكثر من خيال وان واقعة خيالية حقيقية إلى أبعد حد. 

7. ألاّ تعتقد أنّ هذا النوع من "الرواية التاريخيّة" مازال مُغيّباً في الكتابة الروائية المغربيّة المعاصرة؟

كتب العديد من الكتاب المغاربة روايات ذات طابع تاريخي، بل وتخصص بعضهم في هذا النوع كما هو الشأن بالنسبة لحسن أوريد وكانت هناك أعمال جميلة تركت انطباعا قويا عندي ولدى جمهور القراء في المغرب.

باعتقادي أن أي عمل هو إضافة في هذا التراكم الجميل الذي يشكل ويعيد تشكيل وجه الأدب المغربي كل مرة.

8. إلى أيّ حدّ في نظرك، يُمكن للرواية التاريخيّة، أنْ تسُدّ بعض الثغرات أو الغموض الذي يكتنف الكتابة التاريخيّة خلال الحقبة الحديثة بمصادرها الإسبانية والبرتغالية؟

كتب العديد من المؤلفين عن تاريخنا، خاصة الإسبان والفرنسيون، ما جعل الكثير من الرؤى الخاطئة والتشييئية تتسرب إلينا. نعم، من المهم أن نرى أنفسنا من عيون الآخرين، لكننا نمتلك قراءة خاصة لتاريخنا.

ما يضيفه الأدب هو إثارة الأسئلة التي قد تتحول إلى موضوع دراسات منفتحة وتحليلات عميقة من لدن المتخصصين في التاريخ والتي تستطيع بالفعل رأب التصدعات وملأ الفراغات بغية تحقيق قراءة تاريخية متكاملة لماضينا.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 11/05/2022 على الساعة 14:00