منذ المقابلة الأولى للمنتخب الوطني مع كرواتيا عرى المونديال ثقافة التحليل الرياضي في المغرب، وجعلها تظهر بمظهر ضعف لا يُضمر في طيّاته إلاّ غياب الرغبة في تنشيط حياة الصحافة الرياضية وأخذ الأمور بجدية من خلال إقامة تكوينات وتقديم منح للدراسة في الخارج وإقامة شراكات مع مؤسّسات عالمية لتبادل الخبرات. فبعد انتهاء كلّ مقابلة يُطالعنا ركام هائل من المعلومات العادية الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة يغدو فيها تحليل المُشاهد العادي بنفس مستوى الصحافي.
وهذا الأمر، تلمسّناه بعمق داخل عددٍ من الكتابات والمقابلات التلفزيونية التي حضرها صحفيون لم يُقدّموا أيّ تجديدٍ يُذكر فيما يخصّ مباراة المونديال. لكنْ ما السبب حقاً الذي يقف وراء هذه الهشاشة؟ هل هو ضعف في التكوين؟ أم مأزق يخصّ صعوبة تعريف طبيعة التحليل الرياضي، وما إذا كان الصحافي المُهتم بالشأن الرياضي مطالب بتطوير قدراته المعرفية والمنهجية من أجل تقديم تحليل رياضي في المستوى المطلوب؟
تُشكّل الصحافة الرياضية لوناً من ألوان الصحافة وعموداً أساسياً بالنسبة للجرائد والمجلات والقنوات، ذلك إنّها تُزوّد القارئ بسيلٍ من المعلومات الخاصّة بالشأن الرياضي، إمّا عن طريق أخبار أو تغطيات أو حوارات في غيابٍ تامّ للمقالة التحليلية الرصينة التي تُظهر مدى تمكّن الصحافي من طبيعة عمله بسبب ما يتوفّر عليه هذا الجنس الصحفي من إمكانات كبيرة للتحليل وتكثيف المعلومة وإعطاء فسحة للكتاب من أجل تحليل المعطيات على ضوء المقابلات الكروية، إمّا بالاستناد على تحليل ميكانيكي لأطوار المقابلة أو الرجوع إلى نظام الذاكرة من خلال استعراض معلومات ومَشاهد وصور. غير أنّ المحلل الرياضي الناجح هو الذي يمزج بين تحليل المقابلة واستعراض المعلومة، فيكون التحليل أشبه بأرخبيل رياضي يجمع بين فتنة التحليل ودقّة المعلومة.
لا يوجد أيّ من النمطين داخل الصحافة الرياضية بالمغرب، طالما أنّ الكل يعتبر أنّ ضعف التكوين يُساهم تدريجياً في خلق أزمة هوية ومعنى داخل هذا الجنس الصحفي. فقد كشف المونديال عن الاستسهال الذي بات يطبع التحليل الرياضي لدرجةٍ تجعل أيّ مُشاهدٍ عاشق لكرة القدم يتسلّق سلم الشهرة سريعاً ويعتلي منصّاتها التلفزيونية دون أيّ مجهود يُذكر. ونظراً إلى غياب هذا البُعد التكويني داخل المعاهد وخارجها، ظلّت مساحة التحليل فارغة ولا تستجيب بعض محاولاتها إلى تطلّعات المُشاهد. لكنْ ما ساهم في استفحال الوضع هو دخول عدد من الأدباء والشعراء والكُتّاب إلى عملية التحليل الرياضي، فأصبحوا من خلال صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي خبراء رياضيون لهم قدرة في تمحيص خطّة المُدرّب والسبب الذي يجعله يهُمّ في إدخال هذا اللاعب أو إخراجه.