أشرف الحساني يكتب: لماذا لا يتطوّر البحث العلمي المغربي؟

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي . DR

في 20/12/2022 على الساعة 18:30

رغم المكانة التي يحتلها بعض فكر بعض المفكرين داخل الجامعات الغربية مثل عبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي ومحمد عابد الجابري، فإنّ اشعاعها الفكري في الـ 20 سنة خلت قد تراجع وتقلص إلى درجة الصمت والجمود.

لا شك أن أولى مظاهر تبلور الحداثة، قد بدأت من الجامعة المغربيّة، انطلاقاً من التراكم الثقافي الذي حقّقه كوكبة من الأدباء المغاربة ووصل صداه صوب فضاء الجامعة وأساتذتها. غير أنّ الحداثة لم تمس إلاّ الجانب الخارجي المتعلّق بتحديث المعمار وإقامة البنايات والمرافق الخاصّة بالأساتذة والطلبة. لكنّ هذه الحداثة لم تستطع اختراق البحث العلمي ولا ساهمت في تعريفه وجعله يأخذ مكانة مركزيّة داخل أجندات الجامعة ومختبراتها العلمية.

ففي كل سنة تُطالعنا البرامج الهزيلة داخل شعب الآداب والعلوم الإنسانية بطريقة تنفي معها كلّ الموروث الثقافي الذي راكمه منذ السبعينيات مفكّرون وأدباء وشعراء وفنانين، بعدما تحوّلت الجامعة إلى فضاءات للسياحة وأمكنة لتلقين دروس وكفايات وبيداغوجيات لا علاقة لها بواقع البحث العلمي في العالم. بل ويتمّ تقديم هذه الدروس حول العروض وجغرافيات الأرياف والحضارات القديمة وكأنّها مفتاح الواقع اليوم لدرجة يتم في بعض موادها ووحداتها شغل الطالب لسنوات تحت المعدّل ودفعه إلى بذل مجهود أكبر من أجل رصد وإدماج بعض المواد.

ومع المُستجدّات الأخيرة التي ألمّت بنظام التعليم العمومي، أصبح مفروضاً على الجامعات تغيير طبيعة هذه المواد وتخصّصاتها وضرورة مُحاولة وضع خطّة جديدة للعليم العالي من أجل الخروج به من شرنقة البطالة التي بدأت تُخيّم عليه. لم يحدث أيّ تجديدٍ يُذكر في هذا الأمر، بل ما زالت الجامعة تُسجّل سنوياً آلاف الطلبة داخل شعب الجغرافيا والتاريخ والأدب والفلسفة وكأنّ شيئاً لم يحصل. فما الغاية من دراسة شعب يعرف مُجمل أساتذتها مُسبقاً أنّها تُسبّب هولاً كبيراً للمؤسّسات والطلبة وستدفعهم إلى ضياع المزيد من الوقت في حياتهم الشخصية، دون أيّ عملٍ أو تموقع علمي يؤهلهم لاستكمال الدراسة في الخارج؟

لا يعنينا هنا واقع الشغل في المغرب وآفاقه المستقبلية، وإنّما الطريقة التي يُمارس بها البحث العلمي وكيف غدت عملية إنتاجه، لا علاقة لها بالواقع ولا بما تشهده المنظومة الرمزيّة من تحوّلات نظريّة ومفاهيمية. ففي شعب الفلسفة يُسجّل الباحث ارتفاعاً مهولاً في موضوعات ترتكز في مُجملها حول الخطاب الديني ويتمّ على منوالها إنتاج جيل جديد يعيش فلسفياً في غيبوبة ماضٍ لا يُعوّل عليه. لكنْ مع ذلك، يتم دعم هذه المختبرات وتأجيجها والعمل على العناية برأسمالها الرمزيّ، أمام غياب اهتمام الناس بهذه الموضوعات التي لا تخدم الواقع ولا تُساير نظام المعرفة المعاصرة في تفكيرها وبناها ونظامها ومناهجها.

هذا مع أنّ القلائل من الباحثين الجدد من يُجيدون البحث في مسائل تتعلّق فلسفياً بالدين، من خلال استخدام المناهج المعاصرة من خارج الخطاب الفلسفي وإعادة توظيفها داخل تحليل هذا النّمط من الخطاب، بما يجعل الكتابة مُتحرّرة من اجترار الخطابات الدينية وقادرة على بناء وعي نقديّ مختلف، كما هو الحال في كتابات المفكّر السوري الراحل محمّد شحرور الذي أعاد بناء هذا الخطاب بطريقة عقلانية تفكيكية قادرة على ميلاد مشروع فكري جديد قادر على مسايرة تحوّلات الواقع.

ونفس الأمر، ينطبق على شعبة علم الاجتماع التي لم تتحرّر بعد من معارفها الأولى المُرتبطة بنشأة السوسيولوجيا كعلم وإشكاليّة موضعتها والمُؤسّس الحقيقي لها. وهي معلومات أصبحت بديهيات داخل الحقل السوسيولوجي، دون تفكير هذه الشعب في بناء صرح معرفي لهذا العلم، يُوازي بين الخطاب النظري ونظيره التطبيقي وإمكانية تلقين الطلبة أهمّ المعارف التي تُمكّنهم من تحقيق قفزة داخل البحث الميداني.

إنّ العكس ما يحدث داخل هذه الشعبة التي يتحوّل الباحثون فيها إلى اجترار معرفةٍ غربيّة تظلّ حكراً على النظريات الاجتماعية، بدل التفكير في تبيئة هذه المفاهيم والنظريات داخل البحث السوسيولوجي، من أجل الخروج بمشروع يخدم المغرب ويُثمّن في آن واحد مشاريع السوسيولوجيا المغربيّة الرائدة مع كلّ من بول باسكون وعبد الكبر الخطيبي ومحمّد جسوس وعبد الصمد الديالمي وفاطمة المرنيسي. وهي مشاريع هامّة تستحقّ الكثير من التعريف لكونها ما تزال تطرح أسئلة حارقة على البحث العلمي داخل الجامعة المغربيّة الذي يُجهض يوماً بعد يوم هذه المشاريع السوسيولوجية ويُحوّلها إلى محض خرافةٍ وهباء.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 20/12/2022 على الساعة 18:30