يقدم المشهد السياسي المغربي أحيانا بعض الشخصيات الفريدة، والتي يمكن أن يوفر صعودها المفاجئ ومناطق الظل فيها، مادة غنية لإعداد مسلسل ناجح على نتفليكس.
محمد مبديع، الوزير السابق والنائب البرلماني، هو نموذح حي. شخصية متفردة تخفي طيبوبته النباهة وسرعة الذكاء. الرجل بنى، انطلاقا من مدينته الفقيه بن صالح، ثروة مريحة، إلى جانب مسيرة سياسية متألقة.
مدينته؟ كثير من سكان قبيلة بني عمير يرفضون مثل هذا الادعاء. بالنسبة لهم، فهو أجنبي وسيبقى كذلك إلى الأبد. هذا بل يعجبهم أن يذكروا هذا « الآتي من مكان آخر »، بأصوله بإطلاق لقب « السرغيني » عليه.
من الصعب لومهم. لقد جاءت عائلة مبديع من قلعة السراغنة، في فجر استقلال المغرب، للبحث عن الثروة في الفقيه بن صالح، حيث أقامت في سكن متواضع في منطقة حفير، التي كانت آنذاك واحدة من أفقر الأحياء في المدينة.
وفي هذا الحي الفقير ولد محمد مبديع عام 1954، وهو الماضي الذي حاول دائما إخفاءه، مدعيا أنه ينحدر من عائلة مزارعين. ودحض أحد معارفه القدامى هذا الأمر قائلا: « لم تكن عائلته من بين ملاك الأراضي في المنطقة. لا نستطيع أن نقول إنه ينحدر من عائلة مزارعين ».
كان الأب مع ذلك حريصا على تعليم أطفاله، وفي هذه المنطقة المنسية من تادلة، لم تكن هناك طريقة أخرى غير المدرسة العمومية. وهناك أيضا، كان المعني يحاول تجميل الوقائع، وهو بالتأكيد أحد إخفاقاته التي لا تمحى.
« قال إنه درس في المدرسة التقنية في مراكش، لكن هذا غير صحيح. لم يغادر الفقيه بن صالح قط، حيث بذل مجهودات للحصول على البكالوريا من ثانوية الكندي، ولكن دون جدوى »، بحسب ما أكده مصدر خالطه داخل حزب الحركة الشعبية.
من الفقيه بن صالح إلى أليس
في أوائل السبعينيات، حتى بدون الحصول على البكالوريا، كان من الممكن الالتحاق بالوظيفة العمومية.
يقال أنه بفضل بعض التدخلات التحق محمد مبديع بوزارة الطاقة والمعادن. تم انتقاؤه هناك برتبة مساعد تقني، في مصلحة كانت تعمل بالفعل على الطاقات المتجددة والتي أصبحت المركز الحالي لتطوير الطاقات المتجددة. مسار مهني هادئ كموظف؟ هذا الأمر لم يكن ليرضي « السرغيني ». المستقبل، أو العناية الإلهية، سيثبت أنه كان على حق.
في عام 1976، تم، في إطار المصلحة المذكورة للوزارة، إرسال أطر مغاربة للتدريب في فرنسا، وبالتحديد في المدرسة الوطنية للتقنيات الصناعية والمناجم في أليس، في مقاطعة غارد. في ذلك الوقت، لم تكن هذه المؤسسة بعد مدرسة هندسة، لكن الدورات التدريبية التي كانت تقدمها للتقنيين الممارسين كانت لها قيمة الدبلوم تقريبا.
كانت الفرصة جيدة للغاية بالنسبة للشاب الطموح مبديع. ولكن هناك مشكلة: المشاركة في البعثة وتندمج في المدرسة المذكورة، يتوجب الحصول شهادة البكالوريا التي لم يكن يتوفر عليها مبديع.
تدخل جديد سيخلصه من هذه الورطة. محمد التوكاني، الذي كان حينها وزير للوظيفة العمومية، ربما أعجب بجرأته وحماسه، تدخل لمنحه شهادة معادلة للباكالوريا. فتوجه بعدها إلى فرنسا!
لا نعرف سوى القليل عن هذه الإقامة الأولى لمحمد مبديع في هذا البلد. لكن الأكيد هو أن هذا التدريب فتح أمامه آفاقا جديدة.
بعد فترة وجيزة من عودته إلى المغرب، عين كرئيس للمصلحة المكلفة بالكهرباء بالعالم القروي، ثم في عام 1987، تم تعيينه رئيسًا لقسم الشؤون العامة والإدارية بوزارة الطاقة والمناجم.
استمر صعوده في الوظيفة العمومية، إذ تم تعيينه في عام 1992 كاتبا عاما لمركز تطوير الطاقات المتجددة. وسيكون آخر منصب له في هذه الوزارة. وبينما يرى الآخرون أن ذلك تتويجا، كان مبديع يرى أنه يصطدم بالسقف الزجاجي، الذي حاول كسره من خلال تأسيس مكتبه الخاص للدراسات.
طوال هذا الوقت، كان الذي « لا يتوفر على البكالوريا » يبذل قصارى جهده للتخلص من النعت سيء السمعة. وهكذا ضاعف الدورات التدريبية وشارك في الندوات في فرنسا والولايات المتحدة، وانتهى به الأمر إلى الالتحاق بمختلف المنظمات الوطنية والدولية بصفته مستشارا. وأخيرا اكتسب الاحترام، وستليه بعد ذلك الشهرة.
«مؤيد» للترحال الحزبي
يمثل اللقاء مع مصطفى الريحاني، مفتش التعليم الشهير في الفقيه بن صالح، نقطة تحول جديدة، وربما الحاسمة، في حياة محمد مبديع. الأول فعل كل شيء لدفع النخب الشابة في المدينة للانخراط سياسيا وتجربة حظهم في الانتخابات. ومن الطبيعي أن يأخذ المستشار اللامع تحت جناحه، بعدما أحس أن الشاب يتوفر على كافة المؤهلات لتكون له مسيرة سياسية ناجحة. ولم يخيب ظنه.
اختيار محمد مبديع، في هذا العام 1997، وقع أولا على الاتحاد الدستوري، وتحت ألوانه، تم انتخابه نائبا عن الفقيه بن صالح. إلا أنه انفصل بسرعة عن حزب الحصان لينضم إلى الحركة الوطنية الشعبية التي كان يتزعمها الراحل المحجوبي أحرضان، ثم الحركة الديمقراطية الاجتماعية بزعامة محمود عرشان.
كما ترشح للانتخابات بألوان اليسار الاشتراكي الموحد (الحزب الاشتراكي الموحد حاليا). وبعد فترة قصيرة كلامنتمي في عام 2022، عاد إلى الحركة الشعبية.
كان محمد مبديع مؤيدا للترحال السياسي وكانت قناعاته الإيديولوجية متغيرة، ولديه شغف كبير بالألقاب ومحبا بشكل خاص لمنصب الرئاسة. رئيس جماعة الفقيه بن صالح منذ عام 1997، ويضع في سيرته الذاتية رئاسته لثلاث لجان برلمانية ورئاسة الفريق النيابي للحركة الشعبية. محمد مبديع، الذي كان يحب أن يطلق عليه « الرايس »، ترأس نادي كرة القدم المحلي لمدة عشر سنوات، اتحاد الفقيه بن صالح.
كان عاشقا الانخراط وسط الحشود، بل ويذهب إلى حد زيارة ناخبيه في منازلهم، في أفقر الأحياء. كان يلعب بورقة الأصالة، ورقة « ولد الشعب » و« العروبي » القريب من الشعب. وحتى ما يفترض أنه سيلحق به الأذى يعود في آخر المطاف بالفائدة عليه، مثل هذه الصورة في ثوب السباحة، وهو مستلقي على حافة مسبح، والتي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي.
« إنه شعبوي عرف، لبعض الوقت، أن يبني شعبية يحسد عليها. إنها آلة انتخابية حقيقية تعرف كيف تتحدث إلى النساء والشباب حتى لو كان ذلك يعني يقدم لهم وعودا سهلة. حتى أنه بكى أثناء تجمعاته لجلب عطف الناخبين »، كما يحكي أحد معارفه القدامى.
لكن هذه الصورة الشعبوية سرعان ما تراجع بريقها بمرور الوقت. ويشرح إطار سابق بالحركة الشعبية قائلا: « انظروا إلى نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة. وبسبب شخصيات مثل مبديع، لم تصل نسبة المشاركة المحلية إلى 25 ٪، بينما تجاوزت 50 ٪ على المستوى الوطني ».
في وقت قياسي، نجح محمد مبديع في أن يصبح أحد أكثر الشخصيات المكروهة بين سكان مدينة الفقيه بن صالح، وأكثر من ذلك بين الجالية المنحدرة من هذه المدينة والمقيمين في جميع أنحاء العالم، وبشكل خاص في إيطاليا، الذين يرون مدينتهم، عند كل عودة إلى مسقط رأسهم، تغرق في الفوضى والفقر.
عائلة شابان-دلماس في «النوالة»
بعيدا عن هذا الضجيج، وعلى بعد خمسة كيلومترات من الفقيه بن صالح، على الطريق المؤدي إلى واد زم، اتخذ محمد مبدع مستقرا له في ضيعة كبيرة أطلق عليها، بتواضع زائف أو بسخرية ماكرة، اسم « النوالة ».
في هذه الضيعة الكبيرة، نظم محمد مبديع، في أكتوبر 2019، حفل زفاف ابنه آدم مع حفيدة جاك شابان-دلماس، الوزير الأول السابق والشخصية البارزة في المشهد السياسي الفرنسي، وبشكل خاص في بوردو.
جمع الزفاف الأسطوري من ألف ليلة وليلة، الذي دام خمسة أيام، ما يقرب من 400 ضيف وكلف، على الأقل، أكثر من 20 مليون درهم. عندما سئل في ذلك الوقت من قبل Le360 عن هذا الزفاف الباذخ، أجاب محمد مبديع أن ابنه العريس، وهو مهندس يعمل في شركة متعددة الجنسيات في فرنسا، هو من تكفل بالمصاريف، فضلا عن تضامن القبيلة (الهدايا الشهيرة) التي غطت باقي المصاريف. هل تكفي لتغطية مصاريف مئات الأكباش التي تم شواؤها وإعدادها من قبل أشهر منظم حفلات في المغرب والقارة؟
« إنه ذو كرم أسطوري. لا يذهب أي مسؤول حركي إلى منطقة بني ملال دون زيارته في ضيعته. إنه متخصص في « الزرود » ويمكنه أن يستقبل بين 10 إلى 50 شخصا ويخصص لهم معاملة خاصة »، كما يقول أحد أطر الحركة الشعبية.
من أين لك هذا؟
يبقى السؤال الكبير الذي يطرحه الجميع: كيف أصبح محمد مبدع، الذي نشأ في حي حفير الفقير، رجلا ثريا، يتوفر على «نوالة» في منطقة الفقيه بن صالح وفيلا كبيرة بالقرب من حي الرياض في الرباط؟ لم يُجب الرجل قط على هذا السؤال بشكل واضح، ومن يعرفه أو عمل معه لا يقدم إجابة مقنعة. كونه كان برلمانيا أو منتخبا محليا منذ عام 1997 لا تخول له أبدا أن تحول موظفا أو صاحب مكتب دراسات إلى ملياردير، ولا حتى منصبه كوزير (للإصلاح الإدارة) بين عامي 2013 و2016.
ألسنة السوء تتحدث عن علاقات مشبوهة ومربحة مع منعشين عقاريين في الفقيه بن صالح، أو حتى عمليات غامضة لمصادرة الأراضي.
وبصورة أكثر تحديدا، يشير تقرير لمجلس الحسابات في عام 2008 إلى اختلالات تتعلق بالصفقات العمومية التي تبلغ قيمتها عدة ملايين درهم والتي تأخرت كثيرا أو لم يتم تسليمها قط.
حتى أن منتقدي محمد مبديع يتهمونه بشراء عقارات في الخارج وتأسيس شركة في فرنسا باسم ابنه آدم.
الحقيقة، كل الحقيقة، هي التي ستقولها العدالة من خلال غرفة الجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء.
في انتظار ذلك، سيبقى محمد مبديع الشخصية السياسية الودية، الذي يعلن شغفه بالسفنج والذي يأخذ حمام شمس، عاري الصدر، على حافة مسبحه في «النوالة ».