بعد أسبوع من الجدل القائم، خرجت إدارة المصحة المعنية عن صمتها لتوضح بعض علامات الاستفهام التي تم طرحها.
وفي تصريح حصري لـLe360، قالت إدارة المستشفى إن «المصحة سجلت وفاتين وليس ثلاث وفيات كما تم تداوله»، مؤكدة أن التحقيق جارٍ في الموضوع، حيث حلت لجنة من وزارة الصحة إلى جانب السلطات الأمنية وتم اتخاذ جميع الإجراءت القانونية.
وأوضحت الإدارة أن صمتها راجع إلى كون التحقيق ما يزال جاريا في القضية، وتنتظر صدور نتائج التشريح الطبي وانتهاء التحقيق كي تصدر بيان حقيقة لتوضح كل ما وقع.
«نتأسف عن ما وقع. لأول مرة تعيش المصحة هذا الوضع، فمنذ افتتاحها سنة 2023، تم إجراء حوالي 2752 عملية ولادة قيصرية، لم تُسجّل ضمنها أي حالة وفاة»، تضيف الإدارة
وفي رسالة وجهتها للمواطنين، قالت إدارة المصحة: «نطلب من المواطنين عدم نشر الإشاعات، ارحموا النساء الحوامل وارحموا خوفهن، سواء في مصحتنا أو في مصحات أخرى، فترهيبهم بهذه الطريقة يؤثرعلى نفسيتهم التي تكون في الأصل حساسة قبل الولادة».
ما الذي وقع داخل المصحة؟
في تمام الساعة الثامنة من يوم الثامن من يناير الجاري، دخلت كنزة، وهي شابة في الـ23 من عمرها إلى إحدى المصحات الخاصة بمدينة الدار البيضاء كي تضع مولودها الأول الذي اختارت له اسم «غالي». بعد نصف ساعة، تم تجهيزها وإنزالها إلى غرفة العمليات، كانت الأمور طبيعية وحالتها الصحية جيدة، تم حقن الشابة الحامل بالمخدر الموضعي الذي يستعمل عادة في الولادات القيصرية وبمجرد أن توغلت المادة المخدرة في شرايينها حتى تفاعل جسمها بطريقة غير طبيعية وهو ما يفسر في الأوساط الطبية بصدمة الحساسية Le choc anaphylactique.
طبيبة النساء والتوليد المشرفة على الحالة، ووفق ما أكده زوج الشابة، «رفضت بدأ العملية القيصرية بعدما لاحظت أن المريضة تتحرك بطريقة غريبة، لكن الطبيب المتخصص في الإنعاش والتخدير نصحها بإكمال العملية وإنقاذ الطفل قبل تأثره بالحقنة الأولى التي تحسست منها والدته، وهو الشيء الذي استجابت له الطبيبة بعد تخذير المريضة بالكامل». (حسب رواية زوج الهالكة، والذي قال إن طبيبتها النسائية هي من أخبرته بهذه المعلومات)
بعد ساعة تقريبا، أي عند حوالي الساعة التاسعة والنصف، انتهت عملية الولادة، وتم نقل الطفل في حالة صحية جيدة إلى قسم المواليد الجدد، فيما تم إدخال الأم إلى قسم العناية المركزة، والذي مكثت فيه من الساعة العاشرة تقريبا من يوم الأربعاء 8 يناير 2025 إلى الساعة الثالثة صباحا من اليوم الموالي الخميس 9 يناير حيث تم إعلان وفاتها.
في اليوم نفسه، وفي الساعة نفسها، حالة أخرى لسيدة ثلاثينية، دخلت هي الأخرى لوضع مولودها الثاني لكنها أسلمت الروح لبارئها قبل ساعات من وفاة كنزة، والسبب واحد، تعرض جسمها لصدمة حساسية بعد حقنها بالمخدر، ودخولها لقسم العناية المركزة ثم وفاتها بعد ذلك. لكن هل هذا هو السبب الحقيقي للوفاة؟. الإجابة في تقرير الطب الشرعي.
الغموض يلف القضية
قال زوج كنزة: «بعد مضي ساعة تقريبا قضيتها في الاستقبال، اتصلوا بي لإبلاغي بأن زوجتي قد ولدت وطلبوا منا إرسال الملابس. نزلت والدتها وسلّمت الحقيبة إلى الممرضين لكنها لم تتمكن من رؤيتها».
بعد دقائق، يحكي الزوج: «أعطونا غرفة، وقمنا بترتيب أغراضنا، كنا متحمسين لرؤيتها، كل 30 دقيقة، أو كل ساعة، كنت أنزل للاستفسار عن أخبارها، لكنهم رفضوا السماح لي بالدخول إلى غرفة العمليات». كانوا يكررون باستمرار: «لم تستيقظ بعد من التخدير».
وسط صمت الأطقم الطبية والتمريضية داخل المصحة، كان خوف عائلات الهالكتين يزداد شيئا فشيئا، قلق، انتظار، وشعور بالعجز التام، فحسب تعبيرهم كانت الأجواء غريبة في الاستقبال.
«بعد ثلاث ساعات تقريبا، بدأت القلق يزيد، كان الموظفون يتحركون بنشاط، لكن الإجابات بقيت غامضة. في النهاية، قالت لي إحدى الممرضات: زوجتك ليست هنا لقد تم نقلها للعناية المركزة. تساءلت لماذا؟ كيف؟ أخبرني طبيب الإنعاش والتخدير أن زوجتي تحست من البنج الموضعي واضطررنا لتخذيرها بالكامل، كل شيء طبيعي وحالتها مستقرة».
عاد زوج كنزة إلى الاستقبال، ولمح رجل آخر، واضح عليه الألم، عندما اقترب منه وتبادلا أطراف الحديث، علم أن زوجته هي الأخرى، دخلت المستشفى للولادة الثانية، وهي أيضًا في العناية المركزة.
يقول زوج الشابة الثانية: «تم إخباري أن زوجتي في العناية المركزة في منتصف النهار، دخلت لرؤيتها عند حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف، كانت فاقدة للوعي لكن جسمها كان يترنح ويتحرك بقوة، هي والمريضة التي بجانبها، والتي عرفت فيما بعد أنها زوجة الرجل الذي التقيته في الاستقبال».
يؤكد زوج كنزة: «أخبرني أنه تمكن من رؤية زوجته وزوجتي وكان جسديْهما يتحركان بطريقة غريبة، فأصريت على دخول قسم العناية المركزة لرؤية زوجتي. كانت في وضعية صعبة مثل ما وصفها لي وكانوا يغلقون عينيها بضمادات، هنا شعرت أن هناك خطب ما».
بعدما أصر الزوج على معرفة ما يحدث، قالوا له «لا نريد إيقاظها لأن حالتها حساسة جدا».
إعلان الوفاة
عند حوالي الساعة الرابعة والنصف، تم إعلان وفاة الهالكة الأولى، زوجة الرجل الآخر. يقول زوج كنزة: «بدأت أشعر بالذعر أكثر».
وعندما سأل مرة أخرى، أخبروه أن «كل شيء مستقر»، ويمكنه المغادرة والعودة لاحقا. «حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف من منتصف الليل، قالوا لنا مرة أخرى إنها مستقرة… نصحوني حتى بالعودة إلى المنزل والرجوع في اليوم التالي».
الزوج، قرر البقاء على الرغم من النصائح الملحة من الموظفين. أخيرا، حوالي الساعة 3 صباحا، اقترب منه أحد الممرضين وقال: «يجب عليك رؤية طبيبها…»، وبعد لحظات قليلة، جاءت الأخبار الفظيعة: توقفت قلب زوجتك، توفيت!
شكوك حول ساعة الوفاة
«عندما دخلت المرة الأولى كانت زوجتي ترتعش، والمريضة التي بجانبها ترتعش بالطريقة نفسها (كنزة). وبعد إخباري بوفاتها، دخلت لقسم العناية المركزة، وكانت المريضة الثانية لا تتحرك»، يقول الزوج، ما طرح شكوك لدى العائلة أن تكون الهالكتان قد توفيتا في الوقت نفسه، لكن إدارة المصحة فضلت إخبار العائلة الثانية في وقت متأخر من الليل أو في اليوم الموالي كي لا تحسب عليهم وفاتان في اليوم نفسه، خصوصا وأن الطبيب المشرف أصر على الزوج بعدم الانتظار في المصحة تلك الليلة، وكأنه كان متأكدا من أن المريضة لن تستيقظ.
هذه المعطيات، نفتها إدارة المصحة، مؤكدة أن تقرير التشريح الطبي يمكن أن يحدد بشكل دقيق ساعة الوفاة، كما نفت شائعات غياب طبيب التخدير ذلك اليوم وتعويضه بآخر.
اليوم، وبعد مضي أسبوع تقريبا، ما زالت عائلتا الهالكتين تنتظران ما ستسفر عنه التحقيقات، وكل ما يطالبون به هو تحقيق العدالة ومعاقبة من ثبت تقصيره، لتكريم ذكرى هاتين الشابتين اللتين غادرتا في وقت مبكر جدا، ومنع تكرار مثل هذه المأساة.