« إننا نعاني من نقص في عدد الأطباء المختصين في الطب الشرعي، والذين لا يتجاوز عددهم 6 أطباء.. »، يقول وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب، ردا على سؤال برلماني حول وضعية الطب الشرعي بالمغرب.
وخلال تشريحه لوضعية الطب الشرعي بالمملكة، بيّن الوزير تداعيات هذا النقص الحاد في عدد الأطباء المتخصصين في الطب الشرعي، وما يشكل ذلك من تحديات كبيرة أمام النظام الصحي والقضاء، وتأثيره على الخدمات المنوطة بهؤلاء الأطباء.
وعزا الوزير هذا النقص الذي وصفه بـ« المهول »، إلى « ضعف جاذبية هذا التخصص بين طلبة الطب، مما يعكس حاجة ماسة لتعزيز الجذب نحو هذا المجال وتحفيز الشباب على اختياره كمسار مهني ».
مهام ثقيلة وتحفيزات هزيلة
« لا يقتصر عمل الطبيب الشرعي فقط على تشريح الجثث، وإنما تشكل المهام السريرية المرتبطة بالأحياء 80% من العمل اليومي للطبيب الشرعي »، يشرح البروفسور هشام بنيعيش، رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء.
البروفسور بنيعيش، الذي يرأس أيضا الجمعية المغربية للطب الشرعي، أوضح في حوار مع Le360 أن الطبيب الشرعي توكل إليه أزيد من عشر مهام، من خلال الفحص السريري للأشخاص المصابين لتحديد وصف الإصابات وطبيعتها وأسبابها وتقييم الأضرار البدنية الناتجة عنها وتاريخ حدوثها والوسيلة المستعملة في إحداثها وتحرير شواهد بشأنها؛ وكذا معاينة وفاة الضحايا والتيقن منها وإعطاء الإذن برفع الجثث ونقلها للأماكن المخصصة لها واستصدار شواهد بشأنها.
شاهد حوار سابق لـle360 مع البروفسور بنيعيش
غير أن المتحدث لمح إلى أن ثقل هاته المهام الملقاة على عاتق الطبيب الشرعي، « لا يوازيها أي تحفيز مادي بسبب هزالة التعويضات التي يتلقاها الممارس نظير التشريح والفحوص السريرية »، حيث لا يتعدى مقدارها حسبه 100 درهم.
ويعزي بنيعيش أسباب عزوف الأطباء عن اختيار هذا التخصص إلى « عدم خصوصية واستقلالية مجال الطب الشرعي »، موضحا أن هناك عددا من الأطباء ذوي تخصصات أخرى يقومون بمهام طبية شرعية دون تكوينهم في هذا المجال.
ويمكن أن يحصل الطبيب على دبلوم التخصص في الطب الشرعي بعد تكوين مدته 4 سنوات، يتم اجتيازه بعد الحصول على الدكتوراه في الطب العام.
إقرأ أيضا : بالفيديو: Le360 "يُشرّح" وضعية الطب الشرعي بالمغرب
على صعيد التدريب، تظهر هناك إشكالية في التكوين في مجال الطب الشرعي، حيث إنه لا يستقطب الكثير من الطلبة، مما يتطلب تدابير عاجلة لجذب المزيد من الطلبة وتشجيعهم على اختيار هذا التخصص. بالإضافة إلى ذلك، تزيد هجرة الأطباء المختصين في هذا المجال إلى الخارج تزيد من حدة هذه المشكلة، مما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات فورية لمواجهتها وتقديم الحلول المناسبة.
ونتيجة لهذه المعيقات، فإن المهام الحيوية للطبيب الشرعي تبقى في خطر نتيجة لنقص الأطباء المؤهلين في هذا المجال، مما يعرض حقوق الضحايا وسلامة المجتمع للخطر.
مهمة استطلاعية
خلال اليوم نفسه الذي أماط فيه وزير الصحة اللثام عن وضعية الطب الشرعي بالمغرب، جرت المصادقة تحت قبة البرلمان على إحداث لجنة استطلاعية حول الطب الشرعي.
وكانت لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس النواب قد شكلت اللجنة المذكورة للوقوف على مختلف الاشكاليات التي يطرحها الطب الشرعي في المملكة.
وستحاول اللجنة الوقوف على الخصاص في الموارد البشرية الذي يعرفه مجال الطب الشرعي، وعند بعض الإكراهات التي تعترض العاملين به.
وكان الطب الشرعي موضوع تقرير سابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي نبه إلى ندرة المتخصصين في الطب الشرعي وضعف الوحدات الاستشفائية الجامعية الخاصة بهذا التخصص.
كما كشف المجلس أن أنشطة الطب الشرعي المرتبطة بحالات الوفاة تتم ممارستها إما في مستودعات الأموات بالمستشفيات أو في مستودعات الأموات البلدية، ولا تمارس الفحوصات الطبية الشرعية للجثث في أماكن اكتشافها إلا نادرا, مضيفا عددا من مستودعات الأموات بالمراكز الاستشفائية تعرف تقادم مبانيها ومعدات التبريد بها، كما أن المعدات اللازمة لإجراء التشاريح غير كافية أو في حالة سيئة. أما مستودعات الأموات التابعة للبلديات فهي بحالة أفضل نسبيا؛ إلا أنها معزولة عن بيئة المستشفى وما توفره من بنيات تقنية وفرق طبية متعددة التخصصات.
إقرأ أيضا : بالفيديو: 24 طبيبا فقط بالمغرب.. هذه أسباب عزوف الأطباء عن تخصص الطب الشرعي
وباستثناء الأطباء المختصين في الطب الشرعي، فإن أطباء المستشفيات الذين يمارسون التشريح ليس لهم تكوين في هذا المجال. كما أن عددا مهما من الأطباء في مكاتب حفظ الصحة بالبلديات المكونين في مجال التشريح مشرفون على سن التقاعد؛ وهو ما يطرح إشكالية الخلف بحدة على المدى القصير.
وأضاف التقرير أنه بالرغم من إقرار قانون متعلق بتنظيم ممارسة مهام الطبيب الشرعي، فإن الحاجة إلى إصلاح المجال ما زالت ملحة .