«مجموعة الخير» .. قصة أكبر عملية احتيال في المغرب

بعض ضحايا مجموعة الخير يحتجن أمام ابتدائية طنجة

في 29/09/2024 على الساعة 08:00, تحديث بتاريخ 29/09/2024 على الساعة 08:00

تعيش مدينة طنجة منذ أسابيع حالة من الصدمة جراء تفجر تفاصيل أكبر عملية نصب واحتيال في المغرب، طالت مئات الضحايا وفقا للمعطيات الأولية وتسببت للبعض في مآس اجتماعية كالانتحار والانهيار العصبي والطلاق... إنها شبكة مشبوهة استغلت المواطنين تحت اسم « مجموعة الخير »، أوهمتهم بالاستثمار في مبالغ مالية واعدة إياهم باستعادة الأموال مضاعفة مع فوائد ربحية في فترة قصيرة. ما قصة هذه القضية التي شغلت الناس في الداخل والخارج؟


بدأت القصة في فبراير من عام 2022، حين قررت ثلاث نساء من مدينة طنجة: يسرى وكريمة ومريم، إنشاء نظام شبيه بـ« دارت »، غير أن الأمر هنا مختلف عن المألوف لدى المغاربة. فقد أسست النساء الثلاثة مجموعة على تطبيق واتساب، ولإضفاء الشرعية على المشروع، شرعت مؤسسات المجموعة في تقديم أنفسهن تحت اسم شركة تبدو رسمية ومنظمة ومرخصة: « مجموعة الخير ». يسرى رئيسة، كريمة مديرة ومريم مشرفة، هكذا قسمن الأدوار بينهن لتسيير المجموعة / الشركة، ثم بدأن في الترويج للعملية مستهدفات معارفهن من النساء العاملات وربات البيوت، على مستوى مدينة طنجة في البداية، ثم توسع نطاق المستهدفين داخل المغرب قبل أن يمتد صيت المشروع خارج المملكة في أوساط مغاربة المهجر.

الفكرة تبدو جديرة بالمغامرة بالنسبة للمستهدفين، حيث يتم وعدهم بربح 5 آلاف درهم في ظرف وجيز بعد المساهمة فقط بألف درهم في ما أطلق عليه « صندوق الضمان »، لكن شريطة جلب 8 مساهمين جدد يدفع كل واحد منهم ألف درهم ليربح هو الآخر 5 آلاف درهم وهكذا.

الطماع والكذاب

بعدما ارتفعت رقم معاملات « مجموعة الخير » بشكل لافت وفي ظرف وجيز، لجأت النسوة الثلاثة إلى رفع قيمة الأسهم من ألف درهم إلى 1800 درهم، مع رفع مبلغ الاسترداد إلى 10 آلاف درهم، وتخفيض عدد المساهمين من 8 إلى 5، وتحديد مدة الانتظار في 6 أشهر.

وفي الوقت الذي كانت صاحبات المجموعة يكنزن الأموال الطائلة من هذا المشروع، استمر صيت « مجموعة الخير » يذيع في الداخل والخارج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولعبت الفيديوهات التي يتم ترويجها بعناية من طرف « المشرفات / الأدمينات » دور الطعم الذي يسيل لعاب كل من يحلم بالاغتناء السريع.

كما حرصت المجموعة على تسويق صورة إنسانية نبيلة عن نفسها، من خلال الترويج لانخراطها في العمل الخيري كبناء المساجد وحفر الآبار وتنظيم حملات طبية إنسانية..

وسرعان ما اتسع نطاق المجموعة وتضاعفت الأموال المكتسبة، لتنتقل صاحبات المشروع إلى فرض صيغة جديدة: إيداع 12,600 درهم مقابل ربح 30,000 درهم بعد بضعة أسابيع شريطة جلب شخصين جديدين.

بهذه العملية يعتقد المرء بأنه يربح أضعاف المبلغ الذي يدفعه، ما يشجعه على المغامرة بمبالغ أكبر. وبالفعل، حصلت المشاركات الأوليات على أرباح حقيقية، لكن أمام عجزهن عن مقاومة بريق المال فإنهن لا يترددن في المساهمة بأرباحهن كلها على أمل استعادتها أضعافا مضاعفة...

لم يكن لمجموعة الخير أي وجود رسمي، بل كانت تُدار فقط عبر عشرات مجموعات الواتساب التي تجمع مئات المشاركين من المغرب وأوروبا وأمريكا. بحلول شتنبر من عام 2023، وصلت الإيداعات إلى أكثر من 720 مليون درهم. في تلك اللحظة، اندلعت التوترات بين يسرى، (الرئيسة)، وكريمة (المديرة) ومريم (المشرفة) في المجموعة، وتوقف إرسال الأرباح فجأة ثم شرعن في تبادل الاتهامات فيما بينهن.

وهكذا خدعت النسوة الثلاث ما يقرب من ألف شخص وجمعن أكثر من 72 مليار سنتيم، إلى أن انكشف أمر « مجموعة الخير » وتبين للضحايا بأنها ليست سوى واحدة من سلاسل نظام « بونزي » الشهير.

ضحايا ومآسي اجتماعية

خلفت عملية النصب هاته، التي تشبه كرة ثلج ما تزال تواصل التدحرج، الكثير من المآسي الاجتماعية في صفوف الضحايا والمسؤولات أيضا، حيث أقدمت إحدى المشرفات في « مجموعة الخير » على وضع حد لحياتها عن طريق تجرع مبيد قاتل، وذلك بعدما اكتشفت أنها وقعت ضحية هي الأخرى، حين بدأ ضحاياها الذين ورطتهم في العملية يطالبونها باستعادة ملايين الدراهم التي منحوها إياها وحولتها إلى حساب الرئيسة التي توارت عن الأنظار

في خضم ذلك الجو المشحون، اندلع شجار عنيف في مركز تجاري بمدينة طنجة بين الرئيسة يسرى وإحدى « مديرات عائدات صندوق الضمان »، وهي إحدى المشرفات على مجموعة واتساب. هذه الأخيرة، بعد أن أدركت حجم الاحتيال، طالبت بحصتها. وشجعت المشرفات الأخريات على تقديم شكاوى ضد يسرى، على الرغم من علمهن بأنهن جميعا يواجهن عواقب قانونية خطيرة.

بدأت الأمور تتضح للضحايا بعدما تسرب اليأس إلى قلوبهم نتيجة التأخيرات غير المبررة في الحصول على الأرباح الموعودة، ما دفع البعض إلى المواجهة المباشرة مع الرئيسة والمديرة، فيما اشتبك الكثيرون مع المشرفات ووقعت مواجهات عنيفة... وفضل البعض الآخر اللجوء إلى القضاء بينما لزم الكثيرون الصمت.

وتواجه الكثير من النساء الضحايا الطلاق بعدما حملهن أزواجهن مسؤولية التورط في هاته الفضيحة، فيما تواجه عدة أسر مصير التشرد بسبب بيعها للمنازل والشقق في سبيل استثمار أثمانها في « مجموعة الخير ».

عقب اختفاء « الرئيسة » يسرى واعتقال « المديرة » كريمة والكثير من « الأدمينات »، سرعان ما بدأت الفضيحة في الانتشار مثيرة موجة من الغضب والاستنكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى تزايد الشكاوى، حيث بلغت حتى الآن حوالي 1000 شكاية. واعتقلت الشرطة 19 شخصا، بينهم 14 امرأة و5 رجال ما يزالون يخضعون للتحقيق، فيما لا يزال البحث جاريا عن آخرين وأخريات يقيمون خارج المغرب.

ليلة القبض على الرئيسة

بعد أسابيع من اختفائها عن الأنظار، تمكنت مصالح الأمن بمدينة طنجة، الأحد 22 شتنبر 2024، من توقيف يسرى، الرئيسة الفعلية لـ«مجموعة الخير»، وهي المطلوبة للعدالة بتهمة النصب على مئات المواطنين، داخل الوطن وخارجه، منذ ما يزيد عن سنتين، بعد فرارها عقب التحقيق الذي فتحته السلطات القضائية قبل شهرين.

وجرى توقيف «الرئيسة» بمعية زوجها وشخص ثالث يشتغل سائق تاكسي، بناء على كمين أمني مُحكم، بداخل محطة القطار بمدينة طنجة، حيث تمت مراقبتها عن بعد، لأيام، بالاستعانة بوسائل تقنية متطورة.

وبدت يسرى في ظهورها الأول أمام وكيل الملك « هادئة » وتجيب ببرود شديد عن الأسئلة التي وجهت إليها.

ومن المتوقع أن يستأنف قاضي التحقيق في جلسة الأسبوع المقبل الاستماع إلى المتابعين في القضية ومواجهتهم مع الضحايا.

وتترقب الأوساط القريبة من الملف بلوغ المرحلة الحساسة من التحقيق عبر مواجهة المتهمين في ما بينهم، خاصة مديرة المجموعة ومن معها من جهة، والرئيسة من جهة أخرى.

ويتوقع أن تكشف المواجهة الكثير من الخيوط المتشابكة لهاته القضية التي باتت توصف بـ »أكبر عملية نصب في تاريخ المملكة ».

وفي انتظار ما ستسفر عنه جلسات التحقيق مع المتهمة الرئيسية وباقي شركائها، الذين وجه إليهم قاضي التحقيق تهم « النصب والاحتيال على حوالي مائة شخص في إطار قضية تتعلق بالتسويق الهرمي »، ستظل قضية « مجموعة الخير » تشغل الرأي العام في المغرب، وسط دعوات لمحاسبة المتورطين وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 29/09/2024 على الساعة 08:00, تحديث بتاريخ 29/09/2024 على الساعة 08:00