يثير محتوى هذه الشهادات، التي لم تستغل لفترة طويلة، اعتبارات قانونية من الممكن أن تعزز شرعية طرح الملف من جديد من قبل المملكة المغربية أمام محكمة العدل الدولية، أو حتى أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ما بين عامي 1946 و1952، تعكس المواقف التي عبر عنها الكولونيل كونار «Quenard» (الذي أصبح جنرالا في ما بعد)، ثم المقيم العام في المغرب، الجنرال غيوم، حالة من اللايقين القانوني المستمر بشأن ترسيم الحدود الجنوبية للمغرب. بحسب أقوال الجنرال غيوم، فإنه على الرغم من جهود فرنسا لضم مقاطعة الساورة نهائيا، فإن هذا المشروع «لم يعترف به نهائيا عام 1952» وأن «المغرب يطالب بمغربية هذه المناطق». هذا رد واضح ومفحم على من يروجون، حتى اليوم، للأراجيف حول السلبية المزعومة للمملكة الشريفة تجاه وحدتها الترابية.
كانت الساورة مقاطعة إدارية تابعة للجزائر الفرنسية، أُنشأت رسميا عام 1975. وضمت العديد من المناطق المرتبطة تاريخيا بالمغرب، بحسب الأرشيفات الفرنسية، والموزعة بشكل رئيسي في ثلاث مناطق حالية: تندوف، وبشار، وجزء من تمنراست (وتضم هذه الأخيرة توات، وقورارة، وتيديكلت).
تشكل هذه التصريحات الرسمية، الصادرة عن السلطات العسكرية المسؤولة عن الإدارة الاستعمارية الفرنسية، دليلا قاطعا على أن الاستمرارية الترابية التي طالب بها تاريخيا المغرب. كما أنها تسلط الضوء على انتهاكات المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وخاصة في ما يتصل باحترام الوحدة الترابية لدولة ذات سيادة.
التصريحات النارية للكولونيل كونار، قائد فرقة عين الصفراء
السيادة المغربية على الصحراء الشرقية كانت معروفة جيدا لدى السلطات الاستعمارية الفرنسية. في عام 1946، قدم قائد منطقة كولومب-بشار، الكولونيل كونار، شهادة واضحة، في رسالة موجهة إلى الحاكم العام للجزائر، بشأن سلطة المغرب الفعلية على هذه المنطقة، إذ أكد قائلا:
«أ. الوضع السياسي. السيطرة المغربية كاملة، وكل شيء يحدث في تندوف كما لو أن الساورة قد ضمت إلى المغرب (أي أن ضم منطقة تندوف من قبل الجزائر الفرنسية أبرز الوجود المغربي: ثورة القبائل والعمال المرتبطين تاريخيا بالمغرب، ملاحظة المحرر). -وجود ملحقة لمكتب البريد الشريفي (في تندوف)، وأختام البريد الذي يحمل اسم تندوف-المغرب، والرسائل لا يمكن ختمها إلا بالطوابع المغربية. -الإمدادات من المغرب وحصص الطعام المغربية. -العملة الجزائرية، في الواقع، غير متداولة. إلخ.
ب. إن الاعتراض على هذا الوضع، والمزايا التي يجنيها المغاربة منه، والتقاليد العريقة التي تعود إلى عهد المرابطين وماء العينين (أوائل القرن العشرين، ملاحظة المحرر) تجعل الركيبات يعتبرون أنفسهم مغاربة. كما أن ملحقة الساورة تشكل حاليا نقطة ربط بين المغرب و غرب إفريقيا الفرنسي. لا يقتصر الأمر على تأكيد الركيبات القواسم على هويتهم المغربية، بل يؤكدها أيضا ركيبات الساحل، كما صرح لي بذلك النقيب فارنو، رئيس مركز أدرار (في موريتانيا)، خلال زيارته لتندوف». (تقرير أرسله الكولونيل كونار، قائد فرقة عين الصفراء أثناء إقامته في كولومب-بشار، إلى الوزير المفوض، الحاكم العام للجزائر، إيف جون جوزيف شاتينيو، كولومب-بشار، 16 شتنبر 1946، أرشيفات إكس أون بروفانس، الأرشيف الوطني لأقاليم ما وراء البحار، أرشيف الحكومة العامة للجزائر، تحت رقم 28H/3).
تظهر هذه الوثيقة بوضوح أن الضم الإداري لتندوف من قبل الجزائر الفرنسية لم يعزل هذه الواحة بأي شكل من الأشكال عن شبكات الدولة المغربية الاقتصادية والاجتماعية. بل على العكس، شكل امتدادا عضويا وحيويا لها. وأوضح الكولونيل كونار نفسه ذلك عندما أشار إلى الاقتصاد المحلي، وقال: «لكن ازدهار الركيبات لا يفيد الاقتصاد الجزائري: إن ملحقة الساورة تمثل ممرا مائيا في هذا الاقتصاد، والمغرب هو الذي يستنزف جميع موارده. إن المغرب هو الذي يمتص في نهاية المطاف الإعانات من الحكومة العامة، والموارد الخاصة بالملحقة، ورواتب الجنود الجزائريين، إلخ، ويمثل هذا التدفق المالي عشرات الملايين من الفرنكات سنويا». (المصدر نفسه، الأرشيف الوطني لأقاليم ما وراء البحار، أرشيف الحكومة العامة للجزائر، تحت رقم 28H/3).
هذه الاعترافات الاقتصادية والترابية معبرة جدا، لأنها تأتي من مسؤول عسكري رفيع المستوى مطلع وحاضر في الميدان. ومع ذلك، وعلى الرغم من معرفته الدقيقة بالواقع المغربي للساورة، أمر الكولونيل كونار باتخاذ تدابير تهدف إلى محو هذا الوجود بشكل ممنهج: إزالة الطوابع المغربية، ومحو دور الكوم المغربي، ورفض العلم الشريفي، وتهميش القياد المعينين من قبل المملكة والموشحين بالوسام العلوي. حتى أنه يذكر إعلان زيارة الأمير مولاي الحسن إلى تندوف عام 1946، وهو رمز قوي للسيادة لا يخفى على أحد. في وثيقة نعيد نشرها بالكامل، يكشف كونار عن حجم الاعتداء على سيادة الإمبراطورية الشريفة. وذلك على الرغم من أن سلطات الإقامة، على حد تعبيره، اعتبرت الساورة جزءً من الجنوب المغربي.
هذه رسالة كونار الموجهة إلى الحاكم العام للجزائر، إيف جون جوزيف شاتينيو:


أمام هذه الوضعية التي وصفها بأنها لا تطاق، اقترح الكولونيل كونار استراتيجية استعمارية جهنمية: إعادة إنتاج المظاهر الخارجية للسلطة المغربية وتحويلها لصالح السلطة الفرنسية! وهكذا، ابتكر فكرة صنع برانس مغربية حمراء للشيوخ والقياد... ولكن مع تعديلات بصرية ووضع علامات الإدارة الاستعمارية الجديدة عليها. انتقلت هذه الإرادة في محو الهوية المغربية للمنطقة، بشكل مباشر، إلى خلفائهم، بمن فيهم الجنرال شنقريحة نفسه وخطاباته الحربية الأخيرة حول الهوية الجزائرية لبشار، وريث خطاب إنكار لازالت مستمرة تحت بزات أخرى.
رد المقيم العام في المغرب، الجنرال غيوم
شغل أوغسطين غيوم (1895-1983)، وهو شخصية محورية في الجهاز الاستعماري الفرنسي، منصب المقيم العام لفرنسا في المغرب من يوليوز 1951 إلى 31 دجنبر 1954، قبل تعيينه رئيسا للأركان العامة للقوات المسلحة من عام 1954 إلى عام 1956. كان ضالعا في المؤامرة التي أدت إلى عزل السلطان سيدي محمد بن يوسف في 20 غشت 1953. وهو أيضا مسؤول عن سياسة التنقيب عن المعادن في المغرب وشمال إفريقيا. في إطار برنامج البحث الذي أطلقه مكتب البحث والتنقيب عن المعادن ومقره الرباط، تم القيام بحملات بدءً من عام 1953 أدت إلى اكتشاف آبار النفط في الجزائر. كانت هذه المبادرات تندرج في إطار منطق استراتيجي أوسع، لا سيما في المناطق الحدودية بين المغرب والجزائر، خاصة في منطقة الساورة. وقد رافقت سياسة إعادة التكييف الترابي التي تهدف إلى تعزيز النفوذ الفرنسي من خلال ضم المناطق المغربية التاريخية، مثل تبلبالة، التي ضمت إلى الجزائر عام 1944، عشية تقديم وثيقة الاستقلال في 11 يناير 1944، وصعود الوطنية المغربية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من مشاركته في النظام الاستعماري، قاوم أوغستين غيوم بحزم أطماع الجزائر الفرنسية التوسعية في عام 1952، مما كشف عن توترات عميقة بين المصالح الجيوستراتيجية الفرنسية ومبادئ القانون الدولي في ما يتعلق باحترام الوحدة الترابية لدولة تحت نظام الحماية. وفي ما يلي الوثيقة التي تنشر لأول مرة:
«كما سبق أن أوضحت في رسالتي رقم 203/SGP المؤرخة في 5 فبراير 1952، أتفهم الأسباب التي تدعم توسع الأراضي الخاضعة للسيادة الفرنسية أينما وُجدت مبررات، لكن قبول اقتطاع جزء من الأراضي المغربية يعد إخلالا بواجباتي، وهو أمر سيواجه انتقادات لاذعة داخل المغرب وخارجه، وسيكون من الصعب جدا الدفاع عنه. من مصلحتنا أن يتبلور خط ترانكي، وهو أكثر فائدة لنا من خط البريد الجمركي لعام 1901، الذي كان بلا شك موضوع مطالبات لاحقة من المخزن، لأطول فترة ممكنة وأن يشكل أساسا للمفاوضات التي ستجرى لاحقا لترسيم الحدود». (رسالة من المقيم العام في المغرب، أوغسطين غيوم، بشأن الحدود الإدارية مع المغرب، موجهة إلى وزير الخارجية الفرنسي، جورج بيدو، 1952، الأرشيف الدبلوماسي لنانت، السفارة الفرنسية في الرباط، تحت رقم 558/PO، صندوق 104).



تكشف هذه الوثيقة حقيقة لا مراء فيها: في قلب الجهاز الاستعماري، أقر المسؤولون بأن أراض مغربية منذ القدم قد بترت لضمها إلى الجزائر الفرنسية. والأكثر من ذلك، حذروا من العواقب السياسية والقانونية والدبلوماسية لانتهاك الاتفاق الضمني للحماية. وهذا الوضوح، وإن كان معزولا، يضفي اليوم على هذا الأرشيف قيمةً ثمينة في إعادة إرساء الحقوق التاريخية للمغرب على حدوده الصحراوية.
إعادة قراءة التاريخ وإعادة التفكير في المستقبل
وهكذا، وحتى عام 1952، اعترفت السلطات الفرنسية صراحة بأن الحدود الجمركية للمغرب تمتد جنوب إكلي وتوات، على حدود غرب إفريقيا. وقد اعترف خط ترانكي، الذي رسم عام 1938 كحدود عسكرية وتقنية، اعترافا لا لبس فيه بانتماء عدة مناطق إلى المملكة المغربية: مركالة، وحاسي منير، وزمول، وأم العشار. ورغم أنه شبه رسمي، إلا أنه استخدم كمرجع في المبادلات الإدارية حتى استقلال المغرب. إلا أن فرنسا رفضت بعد عام 1956 الاعتراف بصلاحيته، مؤيدة بذلك محو الحقوق الترابية المغربية لصالح الجزائر الفرنسية.
ومنذ عام 1962، اتبعت الجزائر المستقلة هذا المنطق نفسه، رافضةً أي اعتراف بالاتفاقيات الضمنية أو ترسيمات الحدود الإدارية التي وضعت سابقا. وفضلا عن ذلك، في عام 1957، وفي سياق إقليمي تميز بمشاركة المغرب في دعم جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني الجزائري، فرضت فرنسا خطا واقعيا جديدا من جانب واحد، مما أدى إلى المزيد من بتر الأراضي المغربية.




