وفي ردّ مطول، اعترف فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، بشكل صريح، بوجود اختلالات تقنية داخل النظام الرقمي المعمول به حاليا، مؤكدا أن «المعادلة» التي تستند إليها المنظومة تحتاج إلى تحيين شامل لتفادي الإقصاء غير المستحق.
وأبرز لقجع أن الخوارزميات المعتمدة لرصد نفقات الأسر قد تتفاعل مع عمليات بسيطة، بل يومية، بشكل يرفع المؤشر الاجتماعي للأسرة، ومنها التعبئة المتكررة لرصيد الهاتف، أو الاشتراك في الإنترنت، مضيفا في كلامه الموجه للنواب: «أتفق معكم أن العشرات من المواطنين ربما استعملوا التعبئة، فوجدوا أنفسهم خارج سقف المؤشر الذي يسمح لهم بالاستفادة».
وبخصوص طريقة احتساب المؤشر، قدم المسؤول الحكومي تفاصيل دقيقة من «المطبخ الداخلي» لمنظومة الاستهداف، موضحا أن المعادلة المعتمدة تختلف بحسب الوسط الاجتماعي والاقتصادي، مشيرا إلى أنه في المدن، يتم احتساب المؤشر بناء على 38 متغيرا، فيما ينخفض العدد إلى 28 متغيرا فقط في المجال القروي، مراعاة لنمط العيش والخصوصيات الجهوية والمحلية، ومبينا أن «العتبة» الفاصلة بين الاستحقاق والإقصاء، قد حُدّدت عند النقطة 9.74301؛ وكل أسرة تتجاوز هذا الرقم تُستبعد تلقائيا من الدعم المباشر، وقد تنتقل إلى فئات أخرى مثل فئة المُلزمين باشتراكات التأمين الصحي.
وشدد لقجع على أن المنظومة ليست ثابتة ولا نهائية، بل «ورش مفتوح» يخضع للتصحيح المستمر، كاشفا أن التحيين الشامل لمعادلات التنقيط سيتم مباشرة بعد دمج المعطيات الجديدة المستخلصة من الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024، بهدف معالجة ما وصفه بـ«الحالات الاستثنائية»، وضمان ألا تتحول سلوكيات بسيطة إلى مؤشرات مغلوطة تُقصي أسر فقيرة من حقها في الدعم، ومؤكدا أن التطور التكنولوجي يجب أن يُستعمل «باستقامة وعدالة»، حتى يعكس المؤشر الواقع المعيشي الحقيقي للأسر.
وعلى الرغم من الانتقادات، عرض الوزير حصيلة رقمية اعتبرها «غير مسبوقة» في تاريخ البرامج الاجتماعية بالمغرب، حيث بلغ عدد الأسر المستفيدة حتى نهاية نونبر 2025 نحو 3.8 ملايين أسرة، أي ما يمثل حوالي 42 في المائة من مجموع الأسر المغربية، فيما وصل عدد المستفيدين إلى 12.6 مليون مواطن، كما تجاوز الغلاف المالي المرصود للدعم 27 مليار درهم، وفق ما صرّح به خلال الجلسة.
واعتبر لقجع أن الانتقال من «نظام الراميد» الورقي التقليدي، الذي كان يعتمد على مساطر إدارية وملاحظات بشرية قابلة للخطأ، إلى منظومة رقمية مبنية على تحليل البيانات والدقة، يشكّل «ثورة هادئة» في تدبير السياسات الاجتماعية، مشددا في المقابل على أن هذا الانتقال «ليس نهاية الطريق»، بل هو خطوة أولى نحو منظومة قابلة للتصحيح والقياس والاستدراك.
وفي ختام تفاعلاته مع النواب، أكد الوزير أن الحكومة تشتغل، منذ الخطاب الملكي وما تلاه من تنزيل لإصلاح الحماية الاجتماعية، على تصحيح مستمر لهذه المنظومة، سواء لضمان عدالة أكبر في توزيع الدعم المباشر، أو لقياس أثره الفعلي على الفقر وصحة الأطفال وتحسين عيش الأسر، مشيرا إلى أن خلق الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، مع تمثيلياتها الجهوية، يأتي لضمان مواكبة دقيقة للمستفيدين، وتقييم ما إذا كانت هذه الأسر تتدرج فعلا في السلم الاجتماعي، وتنتقل نحو استقلالية اقتصادية مستدامة.




