نشرت الفتوى حول الزكاة يوم الجمعة 24 أكتوبر على الموقع الإلكتروني لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وبحسب لحسن السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي للصخيرات-تمارة، فإن هذا النص «يستجيب لطلب ملح من المغاربة الراغبين في فهم أفضل للأحكام الشرعية المتعلقة بهذه الفريضة المهمة من فرائض الإسلام».
وذكر لحسن السكنفل أن هذه الفتوى صدرت بأمر من الملك محمد السادس في 22 شتنبر الماضي، بهدف تقديم إجابات دقيقة على سؤال ديني محوري. وأوضح قائلا: «الغرض من هذه المبادرة علمي وإخباري بالدرجة الأولى. وتهدف إلى الإجابة على تساؤلات المواطنين العديدة حول فريضة الزكاة».
وبحسب لحسن السكنفل فإن هذه الفتوى كانت ضرورية، لأن الكثيرين كانوا يتساءلون عن الجوانب العملية للزكاة: متى تدفع، والممتلكات التي تجب فيها الزكاة، و كذا مقدارها في إطار اقتصاد لم يعد يعتمد فقط على أشكال الثروة التقليدية كالذهب والفضة والمحاصيل الزراعية؟
ما أهمية هذا النص؟
وأوضح قائلا: «كنا بحاجة إلى نص واضحٍ ورسمي، لأن السؤال يطرح باستمرار. ومع تنوع المداخيل والأنشطة الاقتصادية اليوم، كنا بحاجة إلى إجابة متينة ومنظمة». يشكل النص، الذي أعده المجلس العلمي الأعلى، الآن مرجعا فريدا في متناول الجميع.
وأضاف مصدرنا أن هذه الفتوى تستند أساسا إلى المذهب المالكي، وتتناول أربعة مجالاتٍ رئيسية. ويعرف أنواع الممتلكات التي تجب فيها الزكاة، ويحدد مقدارها على أساس الفضة مع جواز الرجوع إلى الذهب، ويحدد وقت وجوب أداء الزكاة، كما يحدد الفئات الاجتماعية المستحقة لها.
الجديد أيضا في هذه الفتوى هي أنها لم نعد تقتصر على أشكال الثروة التقليدية كالحبوب أو الماشية، بل أصبحت تأخذ بعين الاعتبار واقعا اقتصاديا أوسع نطاقا. فهو يشمل المنتجات الفلاحية غير الحبوب، والموارد الغابوية والبحرية، بالإضافة إلى القطاعات الحديثة في التجارة والصناعة والخدمات.
وأكد لحسن السكنفل أن هذا التطور يلبي حاجة ملحة: تكييف ممارسة الزكاة مع اقتصاد متنوع ويتغير باستمرار. فهو يوفر للمؤمنين إطارا واضحا ومحينا، متوافقا مع مبادئ الشريعة الإسلامية والواقع الاقتصادي المعاصر، للوفاء بهذا الفريضة الديني في ظل شروط شفافة وموحدة.
ما مضمون نص الفتوى؟
عند سؤاله عن مضمون الفتوى، أوضح رئيس المجلس العلمي المحلي للصخيرات-تمارة أن الزكاة، وهي ركن أساسي من أركان الإسلام، هي صدقة واجبة على كل مسلم عند بلوغ ثروته حدا يسمى النصاب.
تمثل الزكاة حقا للفقراء في ثروة الأغنياء، وتهدف إلى تطهير الثروة، وتعزيز التكافل الاجتماعي، والحد من التفاوتات المجتمعية. وتطبق على أنواع مختلفة من الممتلكات، كالفضة والذهب والمال والمحاصيل الفلاحية والممتلكات التجارية والدخل المهني. وأضاف: « لهذا السبب يذكر النص أن من بلغ هذا الحد واحتفظ به لمدة عام، وجب عليه أداء الزكاة، باستثناء الممتلكات الفلاحية التي تخضع لقواعد محددة وقت الحصاد».
تتميز الأصول النقدية اليوم بتنوعها الكبير، وتعكس حجم النشاط الاقتصادي الوطني. وتشير إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط إلى أن أكثر من 600 قطاع اقتصادي تدر دخلا، وهو ما يجب مراعاته عند احتساب الزكاة، سواء لتحديد مقدارها أو لتحديد الحد الأدنى لها.
7438 درهما، نصاب الفضة الحالي
يذكر النص بأنه، إلى جانب زكاة الحبوب والماشية، فإن تقدير النصاب يشمل زكاة الفضة، بما في ذلك السلع التجارية، وأنه يُحدد بناء على نصاب الذهب والفضة. يذكر أن نصاب الذهب يعادل 85 غراما، بينما يعادل نصاب الفضة 595 غراما. وبناء على الأسعار الحالية، تقدر قيمة نصاب الفضة بـ7438 درهما (12 درهما للغرام)، ونصاب الذهب بـ68000 درهم (800 درهم للغرام). وعليه، تقترح الفتوى اعتماد نصاب الفضة كمرجع أساسي، مع ترك حرية اختيار الذهب لكل مؤمن أراد ذلك.
وأوضح رئيس المجلس العلمي المحلي للصخيرات – تمارة قائلا: «يلزم من يملك مبلغا من المال يعادل النصاب أو يزيد عليه بإخراج الزكاة بعد مرور عام قمري كامل. وتطبق النسبة المطبقة وهي 2.5% من إجمالي المبلغ، شريطة أن يظل هذا المال فوق النصاب طوال المدة».
ويرى لحسن السكنفل أن هذا الاختيار يعكس رؤية روحية واجتماعية للزكاة. وأوضح قائلا: «يشير إلى أن الهدف من هذه الفتوى الدينية هو تشجيع إعادة توزيع أوسع وأكثر عدلا للثروة، من خلال دمج عدد أكبر من المؤمنين في دائرة من يدفعون الزكاة. وبالتالي، فإن اختيار نصاب المال يوسع قاعدة المعنيين، مما يترجم إلى زيادة في الموارد للمستفيدين، وخاصة الفئات الهشة».
كما أكد محاورنا أن هذه المقاربة تتماشى مع روح الشريعة الإسلامية، التي تهدف إلى دعم الفئات الأكثر هشاشة وتعزيز التماسك الاجتماعي. هذا الخيار، كما أوضح، «ليس ملزما، ولكنه يمثل توجها موصى به لتعظيم المنافع الاجتماعية والاقتصادية للزكاة في ظل تزايد الفوارق الاجتماعية. وبإتاحة خيار الذهب للمؤمنين، تترك الفتوى مرونةً تراعي قدرات كل فرد، مع تفضيلها الواضح لنهج أكثر إدماجا وتضامنا».
كما تحدد الفتوى أن الزكاة على أساس نصاب الذهب/الفضة تطبق على عدة قطاعات اقتصادية. ففي القطاع الفلاحي، تُخصص الزكاة للمنتجات غير الحبوبية المخصصة للسوق، كالفواكه والخضر والنباتات كالزعفران والزهور ونباتات الزينة، والبذور والنباتات الطبية والتوابل، بالإضافة إلى المنتجات المماثلة ومشتقاتها.
كما يشمل أيضا موارد الغابات كالأخشاب والفطر، بالإضافة إلى منتجات الصيد البحري والنهري. وتحسب الزكاة في هذه الأنشطة، لا على أساس الوزن، بل على أساس القيمة السوقية للمنتجات عند بلوغها نصاب الذهب/الفضة. ويعادل المبلغ الواجب أداؤه ربع العشر من هذه القيمة، أي 2.5 %.
وتشمل الفتوى أيضا الثروة الحيوانية الموجهة للتجارة، سواء أكانت خيولا أم دواجن أم ديوكا أم أرانبا أم نحلا لإنتاج العسل أم حيوانات أليفة. وتجبى الزكاة هنا أيضا على صافي قيمة هذه الأصول بعد خصم التكاليف المرتبطة بالنشاط. أما الإبل والأغنام والبقر والضأن والماعز، فقد حدد النص عتبات محددة ومبالغ واضحة.
ويشمل قطاع التجارة أيضا، بما في ذلك المعاملات المتعلقة بالسلع والبضائع والعملات الأجنبية والأسهم وعوائد المشاريع التجارية أو أي أصل آخر مدر للدخل. تجب الزكاة عند بلوغ القيمة نصاب الذهب/الفضة، بعد خصم مصاريف الإدارة كالأجور والإيجارات والضرائب المستحقة قبل تاريخ التحصيل.
في القطاع الصناعي، تغطي الفتوى مجموعة واسعة من الأنشطة: الصناعات الغذائية، وتحويل المنتجات الفلاحية، وصناعة مواد البناء، والصناعات الميكانيكية، والكيميائية، والإلكترونية، والنسيج، والجلود، والطباعة، والطاقة، وصناعة الأثاث. تحسب الزكاة لجميع هذه الأنشطة على القيمة الإجمالية، بعد خصم تكاليف الإنتاج، ودائما على أساس نصاب الذهب/الفضة.
وتشمل الفتوى قطاع الخدمات أيضا، أي الدخل من الأنشطة في القطاعين العام والخاص. بعد خصم الحد الأدنى للأجور المعمول به في المغرب (3266 درهما شهريا)، تجب الزكاة على الباقي إذا بلغ المبلغ نصاب الذهب/الفضة، سواء شهريا أو في نهاية العام. وتوضح الفتوى أن هذه الآلية صممت لحماية محدودي الدخل مع الحفاظ على مبدأ التضامن.
تشمل الفتوى أيضا الخدمات البنكية، والتأمين، والاتصالات، والملكية الفكرية، وحقوق التأليف والنشر والعلامات التجارية، والصحة، والطاقة، والمياه، ومعالجة النفايات، بالإضافة إلى الخدمات القانونية والثقافية والإعلانية والفنية.
وأكد لحسن السكنفل على أن جميع هذه المداخيل تخضع للزكاة بنسبة 2.5 % إذا بلغت نصاب الذهب/الفضة، وبعد خصم تكاليف إنتاجها.
وماذا عن الحبوب؟
بالنسبة للحبوب، تنص الفتوى على وجوب الزكاة بمجرد بلوغ الحصاد النصاب، المحدد بخمسة أوسق، أي ما يقارب 300 صاع نبوي، وهو ما يعادل 653 كيلوغراما.
زكاة الفطر. عبد الرحيم الطاهيري
إذا كان المحصول يروى بشكل طبيعي، كالأمطار مثلا، فإن الزكاة تُقدر بـ10 % من الحصاد. أما إذا تكبد المالك تكاليف الري، فإن النسبة تخفض إلى 5%. يضيف النص أنه من الجائز تماما دفع هذه الزكاة نقدا، بناء على القيمة السوقية للحبوب وقت أداء الزكاة. وأشار رئيس المجلس العلمي المحلي للصخيرات - تمارة إلى أن «هذا المقتضى يمكن الفلاحين من أداء مساهماتهم بمرونة ووفقا لإمكانياتهم، مع مراعاة الضوابط الشرعية».
متى تُدفع الزكاة؟
من المبادئ الأساسية للزكاة وجوب إخراجها فور وجوبها. ولا ينصح بتأخيرها دون عذر. وتوضح الفتوى أن مدة الحول التي تُحدد وجوب الزكاة تختلف باختلاف طبيعة الأصول المعنية.
بالنسبة للمحاصيل الفلاحية، تجب الزكاة عند الحصاد أو الجني، وقد يتكرر ذلك عدة مرات في العام الواحد. أما بالنسبة للماشية، فتحب بعد مرور الحول، مع اعتماد مدة تربية الماشية كمعيار.
بالنسبة للموارد المعدنية، تجب الزكاة عند استخراجها، ويجوز تأجيل دفعها بشرط ألا تتجاوز هذه المدة عاما واحدا. أما السلع التجارية (البضائع، والمخزون أوالمنتجات المعدة للبيع)، فتجب الزكاة بعد عام واحد، وتكون قيمتها في حدود 2.5 %.
من يستحق الزكاة؟
مستحقو الزكاة محددون في سورة التوبة، الآية 60: « إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فريضة من الله، والله عليم حكيم ».
المستفيدون الرئيسيون منها هم الفقراء والمساكين، وهما فئتان اجتماعيتان تعكسان مستويات مختلفة من الهشاشة والحاجة. إن إعطاء هاتين الفئتين الأولوية في القائمة يعني أن الزكاة مخصصة أساسا لتلبية الحاجات الحيوية والملحة لمن هم في وضع حرج، على أن تحذو الفئات الأخرى حذوها، كما جاء في الآية الكريمة.
ثلاث فئات مذكورة في الآية لم تعد ذات صلة بسياقنا: العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وعتق العبيد. ويبقى المدينون العاجزون عن سداد ديونهم، وابن السبيل المحتاج، والفئة العاملة « في سبيل الله »، والتي تشمل كل من يعمل عملا خيريا في خدمة الإسلام.
يحرم أداء الزكاة لمن يقع رزقهم على عاتق المنفق، كالوالدين الفقراء، والأبناء القُصر، والزوج/الزوجة. وفضلا عن ذلك، لا تجب الزكاة في الممتلكات الشخصية المخصصة للزينة فقط، كالحلي، إلا إذا بِيعت: وفي هذه الحالة، تُصبح الزكاة واجبة إذا بلغ ثمنها النصاب وحال الحول عليها، كما يحدد نص الفتوى.
هذه الفتوى تحمل رسالة إنصاف ووضوح، كما أوضح لحسن السكنفل، الذي يرى أن هذا النص يشكل ردا منظما على أسئلة المؤمنين المتكررة.



