وتؤشر هذه الحملة، حسب مراقبين، على عزم السلطات الولائية بالمدينة على محاربة مخالفات البناء والتعمير التي لم تستثن هذه المرة عمارات سكنية من ثلاث وأربع طوابق، في عمليات وصفت بالمثيرة وتشهدها عاصمة البوغاز لأول مرة منذ خمس سنوات.
كرونولجيا أحداث الهدم
كان يوم 15 من شهر غشت الجاري، اليوم الذي انطلقت فيه الشرارة الأولى لعمليات الهدم التي شملت العديد من المساكن العشوائية بمنطقة طنجة البالية والسانية والهرارش وبني مكادة والعوامة ومسنانة ومنطقة الرهراه، تحت إشراف مباشر من والي طنجة محمد امهيدية، الذي أعطى انطلاقة هذه العمليات بعد اجتماع جمعه برجال السلطة وأعوان السلطة بمقر ولاية طنجة، دق من خلاله ناقوس خطر تنامي فوضى البناء العشوائي بكل أحياء المدينة.
ولم تمر ساعات قليلة من بعد الاجتماع، حتى دشنت أولى عمليات الهدم وطالت في البداية منزلا تابعا لمسؤول قضائي بعمق المدينة القديمة، ولتنتقل بعدها لتزيل أزيد من 12 منزلا بمنطقة دوار اشراقة التابعة لجماعة حجر النحل من الوجود، إلى جانب أزيد من 08 أساسات بناء وطوابق غير قانونية بمنازل أخرى بالمنطقة.
وعملت المصالح الولائية بطنجة على تزويد جميع الباشاوات بالملحقات الإدارية التابعة لهم بمعدات ثقيلة بينها جرافات والآلات الكسر في مسعى منها لتنفيذ أي تدخل عاجل يأمر به والي طنجة بناء على التقارير التي توصل بها، وفقا لما ذكرته مصادرنا، كما أعطيت الأوامر لعناصر القوات المساعدة بالتواجد بقوة في جميع التدخلات الخاصة بعمليات الهدم كما الشأن بالنسبة لمصالح الأمن ومصالح الدرك الملكي بمدينة طنجة.
ولم تتوقف آليات هدم المساكن العشوائية مع إعلان وزارة الداخلية عن تعيينات جديدة في صفوف رجال السلطة بمدينة طنجة كما نظيرتها بمختلف جهات المغرب، فخلال حفل التنصيب بمقر الولاية، حمل والي الجهة محمد امهيدية القياد والباشاوت الجدد المعينين بمدينة طنجة المسؤولية في التدخل العاجل لمحاربة البناء العشوائي، مؤكدا في كلمته بالمناسبة على أن هذا الأخير « خط أحمر » لا ينبغي بتاتا التساهل معه، داعيا إلى ضرورة التحلي بأقصى درجات التعبئة لمحاربة هذه الظاهرة بالمدينة، حسب تعبيره.
يوم بعد التنصيب، وقع والي جهة طنجة تطوان الحسيمة على قرارات مفاجئة تقضي بهدم عدد من المباني العشوائية والمشاريع السكنية التي تحمل عددا من المخالفات كما قرر في ذات السياق توقيف مشاريع عقارية أخرى، وصل عددها إلى حوالي 54 مشروعا، بحجة مخالفتها لقانون التعمير والتراخيص الصادرة من الجهات المختصة.
منع رخص الإصلاح
في وقت خلف فيه قرار الوالي توقيف مشاريع سكنية صدمة وهلعا في صفوف عدد من أصحاب المشاريع السكنية المعنية، كما عدد من رؤساء المقاطعات ومسؤولين بالوكالة الحضرية بطنجة، يأتي قرار آخر للوالي امهيدية بفتح تحقيق عاجل تشرف عليه وزارة الداخلية من خلال لجنة خاصة مهمتها الوصول إلى حقيقة تنامي عدد من الرخص التي منحتها عدد من المقاطعات بالمدينة لعشرات الأشخاص، والتي استغلت في زيادة طوابق غير قانونية إلى جانب إضافة مباني عشوائية بعدد من الأحياء، خصوصا بمنطقة الرهراه والعوامة والمرس اشناد وبوخالف وطنجة البالية.
وعقب توصل الوالي بتقرير أسود، حول تداعيات استعمال رخص الإصلاح في تنامي ظاهرة البناء العشوائي بطنجة، سارع إلى وضع نهاية لعمليات منح هذه الرخص، من خلال توجيه مراسلة عاجلة إلى رؤساء مقاطعات طنجة الأربع، طالبهم من خلالها بإيقاف إصدار « رخص الإصلاح » مؤقتا إلى أجل آخر.
ومما جاء في مراسلة الوالي: « في إطار تتبع عمل المقاطعات التابعة لجماعة طنجة، وبناء على جولات المراقبة وزجر مخالفات التعمير التي تقوم بها مصالحي المختصة، تبين في العديد من الحالات أن رخص الإصلاح المسلمة من طرف المقاطعات صارت تستغل خارج نطاقها، إذ يعمد المستفيدون منها إلى التستر خلفها لتشييد بنايات جديدة أو بإحداث تغييرات جوهرية في العقارات المعنية بهذه الرخص ».
تحقيقات وتوقيفات
تبعا لتحقيقات فتحت بأمر من والي طنجة وتحت إشراف لجنة خاصة بولاية الجهة، تابع الوالي محمد امهيدية عمليات هدم أساسات البناء العشوائي وطوابق مخالفة لقانون التعمير بمختلف أحياء طنجة بشكل مباشر ويومي، حسب مصادر خاصة، التي أشارت إلى أن مثل هذه الممارسات « ساهمت في تنامي ظاهرة انتشار البناء غير القانوني بطنجة، وفتحت النار على عدد من الأشخاص المتورطين، وبينهم مسؤولين سيكشف عن مدى تورطهم، نتائج التحقيقات المتواصلة في هذا الشأن».
ولعل أولى القرارات التأديبية على مستوى عدد من الملحقات الإدارية بطنجة، نزلت كالصاعقة لتشمل نحو 9 أعوان للسلطة، تم توقيفهم، بينهم أربعة من المنتظر أن تتخذ بحقهم قرارات زجرية صارمة، مع إمكانية إحالتهم على أنظار القضاء بطنجة، في حال تورطهم مباشرة في عمليات تنامي البناءات العشوائية، كما هو الشأن بما يجري وجرى في منطقة المرس اشناد ومسنانة والرهراه وطنجة البالية والعوامة، ومناطق أخرى خارج المدار الحضري كمنطقة جزناية.
وذكرت مصادر خاصة، أن تحقيقات التشوه العمراني الذي تعرفه عدد من المناطق التابعة للنفوذ الترابي للمقاطعات الأربع، ينتظر أن تكشف أيضا مدى تورط عدد من رؤساء المقاطعات والمستشارين الجماعيين في عمليات منح وتسهيل الحصول على رخص البناء بشكل غير قانوني، والمساهمة في إغراق أحياء ببناءات عشوائية تستمر الجرافات في هدمها حتى اليوم.
ولن تسلم الوكالة الحضرية بالمدينة أيضا من التحقيقات التي يشرف عليها مسؤولون بولاية طنجة، من الكشف عن حقيقة ما يجري داخلها، وما مدى تورط مسؤولين بها في المساهمة في هذه الأفعال غير القانونية والتي تعرفها مشاريع عقارية بالمدينة ومحيطها، على حد وصف مصادرنا.
وفي سياق التحقيقات الجارية، مثلت أمام المجلس التأديبي بمقر ولاية طنجة، يوم أمس الثلاثاء، مهندسة ورئيسة قسم بمصلحة التسيير الحضري بالوكالة الحضرية بطنجة بناء على تحقيقات أشرف عليها الوالي وتخص المشاريع العقارية التي قرر توقيفها مؤخرا، بعدما تبث وجود خروقات واختلالات بها، وقد تكون المسؤولة متورطة في التأشير على رخص بنائها.
وكشفت مصادر خاصة لـLe360 أن والي الجهة أمر بأن تشمل التحقيقات جميع المسؤولين المتورطين في منح الترخيص أو التوقيع على هذه المشاريع التي تشوبها خروقات بمدينة طنجة، واتخاذ المتعين في حقهم مع إحالة ملفات تورطهم على أنظار القضاء.
وعلاقة بالمشاريع المتوقفة، صدرت تعليمات بمواصلة التحقيقات في عدد من المشاريع التي يفوق عددها 13 مشروعا سكنيا بالمدينة، وبمختلف ضواحي المدينة، تأكد أن بعضها تشوبه خروقات تعميرية، ومن بين هذه المشاريع، تلك التي أشرف عليها أحد « المهندسين » المعروفين بالمدينة والذي منع الوالي التأشير على كل المشاريع التي يشرف عليها، موجها رؤساء الدوائر إلى الإسراع بهدم جميع المباني والأوراش التي يشرف عليها وتعود لعدد من المنعشين العقاريين، خصوصا بعدما تبين أن غالبيتها أضافت طابق وطابقين بشكل غير قانوني.
ويرى متتبعون للشأن المحلي بمدينة طنجة، أن الحرب الضروس التي تشهدها أحياء المدينة مؤخرا هي تحصيل حاصل، ومن شأنها الحد من العشوائية في البناء وتشويه الوجه العمراني للمدينة، بالنظر إلى تنامي ظاهرة بناء عمارات سكنية من أربع إلى خمس طوابق في أحياء عديدة وبشكل غير قانوني، مع العلم أن المساكن في هذه الأحياء لا تتعدى طابق وطابقين.