وشهدت السنوات الأخيرة اهتماما خاصا من طرف المغرب بهذا الطائر في مسعى لتوفير الظروف الملائمة لعيشه وتكاثره، حيث بدت تلوح في الأفق بوادر انتعاش واعدة للحبارى الكبير بفضل مبادرات محلية ودولية وبدعم من الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة.
تعاون مغربي إسباني من أجل الحبارى
تواجه آخر مجموعة تم تحديدها من الحبارى الكبير التي يطلق عليها (Otis tarda) في القارة الإفريقية خطرا كبيرا للانقراض بسبب انخفاض مستعمراتها بنسبة 50 ٪ خلال 15 عامًا الأخيرة، وذلك لأسباب طبيعية واقتصادية، حسب ما جاء في تقرير خاص أعدته شبكة دولية تدعى « أي يو سين »، والتي كشفت فيه أن مبادرة مغربية بدعم من الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والحكومة الإقليمية لجزر البليار في إسبانيا، أحرزت تقدمًا نحو تحقيق الاستقرار في تعداد هذه الطيور.
وحسب التقرير فقد مكّن المشروع من المراقبة وتنفيذ حملات توعية، إلى جانب تعزيز الحماية القانونية للمحميات المتبقية حيث تتكاثر الحبارى الكبيرة، كما يلخص التقرير نتائج التعداد الوطني لعام 2023 للحبارى الكبير في المغرب حيث يسلط الضوء على الحاجة إلى جهود كبيرة للحماية المستمرة لمنع انقراض هذه المجموعة المهددة بشدة.
نحو حماية قانونية للمحميات
تعتبر محميات عديدة خصوصا تلك المتواجدة في تهدارت باصيلة إلى جانب محميات أخرى بشمال المغرب كما جنوبه عنصرا حاسما لبقاء الحبارى الكبيرة، لأنها المناطق التي تستخدمها الأنواع للتكاثر، حيث يتجمع الذكور في هذه المناطق خلال موسم التكاثر لعرض ريشهم، وأداء سلوكيات المغازلة، والتنافس على جذب انتباه الإناث وكل هذه السلوكيات تزيد من فرص التزاوج التكاثر.
وبالرغم من كون الأعوام الأخيرة قد شهدت تسجيل خسارة فادحة لخمسة من مواقع التكاثر الشهيرة بشمال المغرب، فإن عملية مراقبة المحميات الطبيعية وأماكن توالد طيور الحبارى تتواصل، حيث ركز الإحصاء الوطني لعام 2023، الذي أجرته في مارس مجموعة من المراقبين المغاربة والإسبان، على مناطق في المغرب حيث يُعرف أن الحبارى الكبير وكانت موجودة خلال العشرين عامًا الماضية، بعد ان جرى تقسيم مجموعة خبراء إلى ثلاث فرق تتكون (من 3-4 مراقبين) مزودة بالمناظير والتلسكوبات، حيث عملت على زيادة الكفاءة والدقة في المراقبة إلى أقصى حد، مما سمح لها في اجراء عمليات مسح طبيعية لتواجد الحبارى وتكاثرها.
أعداد الحبارى الكبرى في المغرب (1999-2023)
يوضح آخر تعداد وطني أن الحبارى الكبيرة تتركز في الغالب في منطقتين وهي منطقة ثلاثاء ريصانة وزعرورة (مناطق تقع بين طنجة-أصيلة والعرائش). وفي هذه المناطق تتواجد عدد من المحميات، والتي تتم مراقبتها حيث تعتبر الوحيدة المتبقية في المغرب التي توفر الظروف المناسبة لتربية الحبارى الكبير، وهذا يبرز أهمية حماية هذه المواقع لمنع انقراض الأنواع.
ويكشف تقرير الشبكة البيئية أنه وبسبب الانخفاض الكبير في أماكنها الطبيعية (أي السهوب والمراعي)، وجدت الحبارى الكبيرة ملجأ في الأراضي الزراعية التقليدية، وخاصة في قطع الأراضي الكبيرة المزروعة بالحبوب وكروم العنب، وتتميز هذه المناظر الطبيعية، حيث تستمر الممارسات الزراعية والرعي التقليدية، بأجزاء كبيرة من الأرض المسطحة، والتي تسمح لهذه الطيور الكبيرة والثقيلة بالتحرك بحرية.
ويعتمد الحبارى الكبير على مساحات كبيرة ومفتوحة من الأرض للتكاثر والتغذية والتحرك، ومع تطور الزراعة نحو التكثيف والزراعة الأحادية واستخدام الهندسة الميكانيكية، تفقد الحبارى الكبيرة آخر مناطقها الآمنة في المغرب، بالإضافة إلى هذا التغيير في الممارسات، زاد معدل وفيات الأنواع مع تطور البنى التحتية مثل الطرق وخطوط الكهرباء، والتي تؤدي إلى تجزئة أراضي الحبارى الكبيرة كما تسبب تصادمات مميتة.
كما يمكن أن تؤدي ممارسات الزراعة الصناعية، مثل استخدام الآلات الثقيلة والمبيدات الحشرية والأسمدة، إلى إتلاف الأماكن الطبيعية للطيور، مما يتركها مع عدد أقل من الأماكن للتكاثر والعثور على الطعام، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي الزراعة الأحادية إلى تدمير التنوع النباتي، وهو أمر ضروري للحفاظ على نظام بيئي صحي وتوفير موطن للحشرات واللافقاريات الأخرى التي تتغذى عليها الحبارى الكبيرة.
لذلك أوصى التقرير إلى ضرورة إنشاء حالة حماية معينة وتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة التي تتوافق مع متطلبات موطن الأنواع وتكاثرها في النسختين الأخيرتين أمر ضروري لتجنب انقراض الأنواع في المغرب.
بعض التدابير الأخرى الموصى بها لحماية الحبارى
يوصي التقرير الصادر بتحفيز المزارعين على الحفاظ على مستويات مستدامة من ممارسات الرعي والزراعة التقليدية التي توفر موطنًا مناسبًا للحبارى الكبير، مثل الأراضي البور وأنظمة الأراضي العشبية المختلطة، الى جانب ذلك سعى المغرب الى استعادة الأراضي المتدهورة لتوفير موطن مناسب للحبارى الكبير، حيث يمكن أن يشمل ذلك تدابير مثل إعادة البذر بأنواع النباتات المحلية، وإدارة تآكل التربة، واستعادة موائل الأراضي الرطبة، والحد من الوفيات الناجمة عن البنى التحتية، وهذا يشمل التنفيذ العاجل لتدابير منع الاصطدام لخطوط الكهرباء.
جمعية مغربية تحرز تقدما في حماية الحبارى
خلال العامين الماضيين، قادت الجمعية المغربية « حلول الطبيعة » الجهود لتنظيم الإحصاء الوطني للحبارى الكبير، حصل هذا العمل على دعم إدارة المياه والغابات ودعم المجلس الوطني الإسباني للبحوث (CSIC، المتحف الوطني الإسباني للعلوم الطبيعية)، حيث سمح مشروع هذه الجمعية، الممول من برنامج Transcap 2 التابع للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) (المدعوم من الإدارة العامة للتعاون لجزر البليار) وسابقًا من قبل برنامج PPI-OSCAN، وكلاهما بتنسيق من IUCN كجزء من منصة « Mubadarat »، توظيف حراس في بعض المحميات الطبيعية المتبقية، وتنظيم ورش عمل تدريبية وأنشطة توعية مع الصيادين والمزارعين المتواجدين في مناطق الموقع، و تشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن تنفيذ هذه الأنشطة يساهم في التعافي الجزئي للحبارى في البلاد.
استراتيجية وخطة عمل للحفاظ على الحبارى
على الرغم من النتائج المشجعة، يؤكد خوان كارلوس ألونسو من المتحف الوطني الإسباني للعلوم الطبيعية أن: « الأرقام الحالية لا تضمن بأي حال من الأحوال أن الأنواع في مأمن من الانقراض، ولا ينبغي أن تؤدي إلى التفاؤل، لا ينبغي أن يؤخذ هذا الاستقرار الظاهر حتى الآن على أنه اتجاه ديموغرافي حقيقي، حتى تتوفر العديد من المساحات السنوية ونهج تدابير الحفظ التي تم تنفيذها حتى الآن غير كافية، وهناك حاجة إلى تدابير إضافية لمنع انقراض هذه الفئة من الطيور ».
وحسب المسؤول ذاته فإن هذه الإجراءات تهدف إلى دعم الاستراتيجية الوطنية وخطة العمل للحفاظ على الحبارى الكبير في المغرب، والتي تم تطويرها بشكل مشترك من قبل(مركز التعاون المتوسطي) وإدارة المياه والغابات التابعة للحكومة المغربية.