ففي 27 مارس من العام الماضي، أعطى وزير الفلاحة انطلاقة وحدة لإنتاج الحليب، على مستوى الطريق الرابطة بين جماعة لمريجة ومدينة جرسيف، بكلفة إجمالية تبلغ 60 مليون درهم، وبسعة 30 طنا يوميا، يتم تجميعها من 14 مركزا، ويستفيد منه حوالي 2689 فلاح، منحدرين من خمس جماعات ترابية، وهي «تادارت»، و«هوارة ولاد رحو»، و «لمريجة» و«صاكا» و«راس لقصر»، و13 تعاونية فلاحية.، إلا أن هذا المشروع الذي لقي ترحيبا واستحسانا كبيرين، ما لبث أن سقط في متاهات التسيير العشوائي، دفع بالمنتجين والمستخدمين إلى رفع نداءات التذمر لمسؤولي الإقليم لأجل التدخل، وإرجاع الأمور إلى نصابها.
ويبدو أن الفشل والتعثر كان مقدرا لهذه الوحدة الصناعية منذ بداية أشغال بناءها، حيث انطلقت متأخرة عن الوقت المحدد، إذ كانت البداية يوم 17 نونبر 2014، وانتهت رسميا في مطلع سنة 2017، ولم تعط الانطلاقة لعملها في مجال معالجة الحليب وتسويقه إلا إلى غاية يوم 27 مارس 2022، بمناسبة زيارة لوزير الفلاحة للإقليم، حيث كان ينتظر من هذه الوحدة أن تكون دعامة حقيقية، وفرصة لفلاحي المنطقة لتوزيع وتنويع مصادر تصدير منتوج الحليب، قبل أن يصدم الجميع بحائط المشاكل والتخبطات الناتجة عن التدبير والتسيير، ودفعت بمنتجي الحليب إلى الاحتجاج، نتيجة تأخر الوحدة في تممكينهم من مستحقاتهم المالية العالقة، مما جعل البعض منهم مهدد بالسجن بسبب الشيكات، كما شكلت موضوع احتجاجات المستخدمين، لنفس الغرض، بعد تأخر توصلهم مستحقاتهم لأشهر.
وتسارعت الأمور بشكل غير عادي حسب وصف العديد من أبناء المنطقة، مما اضطر معه منتخبو الإقليم، خاصة على مستوى البرلمان، إلى توجيه أسئلة كتابية، ثلاث منها لوزير الفلاحة، لكون وزارته شريك مع وزارة الداخلية في المشروع، حيث وجه المستشار البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة خالد البرنيشي، بتاريخ 10 يناير 2022، سؤالا كتابيا، إلى وزير الفلاحة، حول الوضعية الحرجة لوحدة إنتاج الحليب بجرسيف «حليب جرسيف»، أبرز فيه أنه وبعد مدة وجيزة من انطلاق الأشغال بهذا المشروع الهام، أصبحت الوحدة تعاني من سوء التدبير والمزاجية في التسيير، مما جعل حلم حليب جرسيف بمثابة كابوس يقض مضاجع الفلاحين ومنخرطي تعاونيات الحليب بالإقليم، مبينا أن المتضررين هم فلاحون بسطاء، يعتمدون في تحصيل قوتهم اليومي على ما يبيعونه من حليب لهذه الوحدة، حيث لا تزال هذه الأخيرة تتماطل في تمكينهم من مستحقاتهم المالية، وبالتالي لم يعد بمقدورهم الإستمرار في تزويد الوحدة بالحليب، بل إن أغلبهم مهددون بالسجن بسبب الشيكات المقدمة لتجار العلف.
وأضاف واضع السؤال أن السلطات المحلية بجرسيف قامت بالضغط على إدارة هذه الوحدة، لترضخ وتقطع وعدا بتمكين الفلاحين من مستحقات شهر نونبر 2022 فقط، معتبرا أن استمرار هذا الوضع على حالته سيكون له انعكاسات اجتماعية وأمنية غير محمودة العواقب، خاصة بعد احتجاج التعاونيات والفلاحين القادمين من جماعات قروية بعيدة أمام هذه الوحدة، مؤكدا في سؤاله أن الوضعية تتطلب تدخلا عاجلا من طرف وزارة الفلاحة، لإنقاذ هذا المشروع الكبير الذي كلف حوالي 7 مليار سنتيم، أسهمت فيه جل تعاونيات الحليب بعشرات الملايين، وتتساءل اليوم عن مصير أموال بيع الحليب وبعض مشتقاته لأزيد من ستة أشهر مدة انطلاق المشروع.
وفي هذا السياق، ساءل النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي سعيد بعزيز، بتاريخ 10 يناير المنصرم، وزير الفلاحة عن الإجراءات التي ستتخذها الوزارة، لإنقاذ هذه الوحدة من الإفلاس، وضمان استمراريتها واستدامتها، وخطوات تمكين مربي الأبقار من مستحقاتهم في أقرب وقت ممكن، مضيفا في سؤال ثانٍ مؤرخ في 14 فبراير الماضي، أنه ابتداء من شهر دجنبر المنصرم، بدأت التعاونيات تتراجع على تزويد الوحدة بالحليب، والتوجه نحو الزبون السابق «كوليمو» بوجدة.
وأشار بعزيز إلى أن الوضع تفاقم مع استمرار عدم أداء مستحقات المنتجين، مما دفع ببعض التعاونيات إلى توقيف عملية تجميع الحليب ابتداء من نهاية الأسبوع الأول من فبراير، مؤكدا أن هذا الأمر سيسبب كسادا غير مسبوق، من شأنه أن يؤثر سلبا على سلسلة الحليب بإقليم جرسيف، متهما في الوقت ذاته الجهة التي عهد إليها بتدبير وتسيير هذا المشروع، بكونها لم تكن شفافة وواضحة، واصفا أدائها بالضبابية وسوء التدبير، مما أدى إلى عدم أداء مستحقات مربي الأبقار، منذ حوالي ثلاثة أشهر.
وذهب بعزيز بعيدا في سؤاله الذي لم يتلق عنه أي إجابة من طرف وزارة الفلاحة لغاية كتابة هذا المقال، في تعارض واضح مع ما جاءت به الفقرة الثانية من الفصل 100 من الدستور، والتي تنص على أن «الحكومة تدلي بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها»، (ذهب) إلى اتهام الجهة التي عطلت مشروع الوحدة، ولم تعط له الانطلاقة إلى غاية يوم 27 مارس 2022، هي نفسها التي استقدمت المدير الحالي للوحدة، معتبرا إياها المسؤولة المباشرة عن هذا التعثر، اعتبارا لكون معظم المتتبعين يتهمونها بالتواطؤ مع وحدة صناعية أخرى داخل تراب الجهة، لإفشال هذا المشروع الحيوي بجرسيف، على حد تعبيره، مطالبا الوزارة، بالوقوف على كل الاختلالات، ومحاسبة المتورطين فيها، ومعالجة ما يمكن معالجته، بهدف تصحيح الوضع، وتمكين هذه الوحدة من انطلاقة ناجعة، وضمان استمراريتها واستدامتها.
آخر تطورات هذا الملف الذي شغل ساكنة إقليم جرسيف، كان جواب وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، عن سؤال كتابي لبرلماني الوردة سعيد بعزيز، أشار فيه المسؤول الحكومي أن أهم الصعوبات التي واجهت هذا المشروع على مستوى التسيير الإداري، هي عدم انسجام المكتب المسير، وغياب التواصل بين أعضائه، وكذا امتناع الرئيس السابق للوحدة، عن استكمال إجراءات استقالته بتقديم الوثائق والمعطيات الإدارية والمالية لدى الجهات المختصة، بالإضافة إلى صعوبات مالية نتيجة غياب عنصر التضامن لدى أعضاء الوحدة، وعدم التزام جميع التعاونيات المنضوية تحت لواء المجموعة، بتزويد الوحدة بمادة الحليب، لأجل خلق القيمة المضافة التي تمكن من تغطية جزء من المصاريف القارة، وعلى الخصوص أداء مستحقات الفلاحين المعنيين.
وأبرز لفتيت في جوابه، أنه وفي إطار المساعي الحثيثة لاحتواء الوضع، عقدت سلسلة من الاجتماعات المتتالية، بحضور جميع المصالح المعنية، همت بالخصوص البحث عن حلول لمعالجة جميع الإشكاليات السالفة الذكر، منها اقتراح عقد جمع عام استثنائي لتعيين رئيس جديد، والبحث عن مصادر تمويل جديدة، مبينا أنه بتاريخ 8 و9 يناير 2023، حلت بمقر الوحدة، لجنة تابعة للمصالح المركزية والجهوية، التابعة لوزارة الفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات، حيث عقدت اجتماعات مع أعضاء الوحدة، والمدير المكلف بتسييرها، بالإضافة إلى التنسيق مع أحد المستثمرين أبناء المنطقة، واقتراح دخوله كشريك بها.
وأضاف المسؤول الحكومي في ذات الجواب، أنه وخلال آخر اجتماع للسلطة الإقليمية مع جميع المتدخلين، بتاريخ 8 فبراير 2023، ألحت على أن إنجاز هذا المشروع، جاء لاستهداف فئة الفلاحين الصغار أبناء المنطقة، والنهوض بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، وأن طريقة تسيير مجموعة ذات النفع الاقتصادي، تستوجب الرقي بطريقة التعامل، وفق نمط جديد يذيب كل الخلافات والحسابات الضيقة بين رؤساء التعاونيات، كما تم الاتفاق خلال هذا الاجتماع على اتخاذ تدابير استعجالية، تهم قيام التعاونيات بتنفيذ تعهداتها بتزويد الوحدة بمادة الحليب، وتكثيف المشاورات بين رؤساء التعاونيات، والتوافق على انتخاب رئيس جديد، وتكوين مكتب منسجم يعمل في إطار قانوني واضح ومحدد، والتنسيق مع مصالح المحكمة المختصة، والمؤسسات المالية المعنية، لوضع الملف الإداري القانوني لديها، مع مواصلة فتح مشاورات مع مستثمرين آخرين لضمان السيولة المالية.
وشدد لفتيت في جوابه الذي تحصل le360 على نسخة منه، على أنه في حالة فشل جميع هذه الحلول، سيتم اللجوء إلى تفعيل المساطر القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات أمام الجهات المختصة، مؤكدا على أن السلطة المحلية في المقابل، ستواصل جهودها الحثيثة بخصوص معالجة هذا المشكل، وتتبع وضعيته عن كثب.
تجدر الإشارة إلى أن تدشين هذه الوحدة قبل سنة بالضبط، جاء حسب القائمين عليه في إطار المشاريع الفلاحية التضامنية، لتطوير سلسلة الحليب بالإقليم، وذلك بتكلفة إجمالية تبلغ 60 مليون درهم، حيث استهدف هذا المشروع تطوير وتعزيز إمكانات سلسلة الحليب في مرحلتي الإنتاج والتثمين، وتقوية التنظيم المهني، وتحسين دخل المربين، وخلق فرص الشغل على مستوى الإقليم.
وتبلغ قدرة هذه الوحدة 30 طن في اليوم، ويستفيد منها 2689 فلاحاً، منظمين في 13 تعاونية حول مجموعة ذات النفع الاقتصادي (GIE)، ويهم هذا المشروع جماعات «هوارة أولاد رحو»، و«صاكة»، و«المريجة»، و«تادرت»، و «راس القصر»، إضافة إلى بناء أربع مراكز لجمع الحليب، وتجهيز 14 مركزا آخر، إذ يبلغ قطيع الأبقار الحلوب بجماعة جرسيف 15 ألف رأس، بمتوسط إنتاج يبلغ 30 طن في اليوم.