وقد شكلت هذه المناظرة، التي جمعت حشدا رفيع المستوى من المسؤولين والخبراء والفاعلين، منصة حيوية للتفكير المشترك حول سبل إرساء ثقافة تشجيع رياضي، حضارية ومسؤولة في جهة الشرق.
ولم يكن الحدث مجرد لقاء عادي، فقد شهدت المناظرة حضوراً لافتاً شمل عمال أقاليم جهة الشرق، ورئيس مجلس الجهة، وممثلين عن الهيئات القضائية، ونواباً برلمانيين، وقادة الأجهزة الأمنية، ورؤساء المجالس المنتخبة والمصالح اللاممركزة، بالإضافة إلى رؤساء الأندية والجمعيات الرياضية، والكاتب العام للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بإلإضافة إلى خبراء وأكاديميون ومكونات المجتمع المدني، مما يعكس الأهمية القصوى التي يوليها مختلف الفاعلين لموضوع التشجيع الرياضي.
وتمثل الهدف المركزي في البحث عن صيغة مثلى لتحويل حماس الجماهير إلى طاقة إيجابية، وتحقيق التوازن المنشود بين التشجيع القوي والانضباط السلوكي، حيث سعى المشاركون من خلال هذه المناظرة إلى وضع أسس “ميثاق جهوي للتشجيع الرياضي”، يكون بمثابة عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الجماهير ومختلف مكونات المشهد الرياضي، ويرسخ قيم الاحترام المتبادل، والانتماء الإيجابي، ونبذ كل أشكال العنف والشغب.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد والي جهة الشرق وعامل عمالة وجدة أنكاد، خطيب الهبيل، على النقلة النوعية التي تعرفها الرياضة، حيث لم تعد مجرد وسيلة للترفيه، بل أضحت رافعة استراتيجية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية عميقة، مشددا على ضرورة مواكبة هذا التحول بترسيخ ممارسات تشجيعية راقية داخل الملاعب وخارجها.
واستعرض المسؤول الترابي المشاريع الطموحة التي تشهدها الجهة لتعزيز بنيتها التحتية الرياضية، أبرزها تأهيل المركب الشرفي بوجدة ليتوافق مع المعايير الدولية، وبناء مجمعات رياضية حديثة ومدينة متكاملة للرياضات، فضلاً عن إنجازات نوعية شملت ملاعب غولف ومنتزهات إيكولوجية في مختلف أقاليم الجهة، معلِناً في السياق نفسه عن مشاريع توسعة وهيكلة جديدة، ومؤكداً على الإرادة الجهوية القوية لاستثمار الرياضة كأداة لتحقيق التنمية وجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل للشباب.
وتوزعت أشغال المناظرة على ورشتين رئيسيتين، عكستا عمق الاهتمام بالقضايا المطروحة، كان موضوع الأولى، دور الجماهير في ترسيخ الريادة الكروية المغربية، حيث ركزت هذه الورشة على القوة الإيجابية للجماهير، وكيف يمكن استثمارها لدعم النجاحات الرياضية، مستلهمة النموذج المشرق الذي قدمه الجمهور المغربي خلال مونديال قطر 2022، بعدما أبهر العالم بسلوكه الحضاري وروحه الرياضية العالية.
في حين ناقش المشاركون في الورشة الثانية موضوع أمن المباريات والتشجيع الرياضي برؤية تشاركية، حيث تناولت هذه الورشة التحديات المرتبطة بتأمين التظاهرات الرياضية وظواهر الشغب والتعصب، وبحثت سبل تجاوزها عبر مقاربة تشاركية تدمج جميع الأطراف، وكذا التطرق إلى القانون رقم 09-09 المتعلق بمكافحة العنف في الملاعب، والنقاش حول سبل تفعيله بشكل أكثر نجاعة، خاصة فيما يتعلق بفئة القاصرين.
ولم يغب دور الإعلام عن النقاش، حيث تم التأكيد على مسؤوليته الكبيرة في تشكيل الوعي العام وتوجيه الرأي، حيث دعا المشاركون وسائل الإعلام، بما فيها الرقمية، إلى تبني خطاب مسؤول يبرز النماذج الإيجابية، يتجنب التهويل، ويساهم في نشر ثقافة التشجيع الحضاري والسلوك المدني.
كما تم تسليط الضوء على العلاقة الوثيقة بين الرياضة والسياحة، وكيف يمكن للمشهد الرياضي أن يتحول إلى واجهة تسويقية جاذبة للمنطقة، تروج للمنتوج المحلي والموروث الثقافي، وتساهم في استقطاب الاستثمارات، وتعزيز صورة المغرب كوجهة رياضية وسياحية رائدة.
وخلصت المناظرة إلى مجموعة من التوصيات الهامة التي ترسم خارطة طريق واضحة، أبرزها، إعداد ميثاق جهوي للتشجيع الرياضي، يحدد حقوق وواجبات المشجعين، ويرسخ النموذج المغربي الإيجابي، مع ضرورة انتاج برامج توعية واسعة، تستهدف الجمهور عبر المناهج الدراسية ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تعزيز دور الإعلام المسؤول، عبر منصات رقمية مؤسساتية وحملات هادفة وإشراك المؤثرين، مع استثمار الرياضة كرافعة للسياحة، تحت شعارات جاذبة مثل “المغرب أرض كرة القدم”.
ومن بين التوصيات التي خرج بها المشاركون في هذا الحدث العلمي، هو تحسين بيئة الملاعب، من خلال تطوير المرافق وإنشاء مناطق ترفيهية وتجارية، وكذا إشراك الجماهير في التنظيم، عبر تقنين عمل مجموعات المشجعين وتعزيز التواصل، بالإضافة إلى تنسيق أمني وتنظيمي محكم، يرتكز على المقاربة الوقائية، والتواصل المباشر مع الجماهير، دون إغفال نقطة تطوير استخدام التكنولوجيا، من أجل تحسين إدارة وتنظيم المباريات.
واعتبر عدد من المشاركين، أن مناظرة وجدة، بما أفرزته من نقاشات وتوصيات، تعد خطوة تأسيسية نحو بناء مرحلة جديدة في علاقة الجماهير بالرياضة بجهة الشرق، تقوم على الحوار المسؤول، والشراكة الفاعلة، والقيم المواطنة، لتصبح الملاعب فضاءات للاحتفال بالرياضة بروح حضارية ومسؤولة.




