ربورتاج: عودة إلى الجذور.. مئات اليهود المغاربة يحيون هيلولة بمكناس

أحد المؤمنين يتأمل أمام قبر رفائيل بيردوغو

في 28/05/2024 على الساعة 07:00, تحديث بتاريخ 28/05/2024 على الساعة 07:00

فيديوشارك المئات من المغاربة، أتوا من جميع أنحاء العالم، يوم الأحد 26 ماي 2024، في النسخة الثالثة من هيلولة تساديكيم بمكناس. احتفال يحتفي بهؤلاء الحكماء ويحيي التقاليد اليهودية في الملاح القديم. استطلاع.

الساعة تشير إلى الثامنة من مساء الأحد 26 ماي بمكناس. الشوارع المؤدية إلى الملاح القديم (مقبرة الملاح القديم) بدأت تعرف النشاط والحيوية شيئا فشيئا. عائلات بأكملها توجهت إلى المقبرة التي يرقد فيها كبار الحكماء...إيذانا ببداية هيلولة تساديكيم (القديسون).

يقف سيرج بيردوغو، الأمين العام لمجلس الطائفة اليهودية بالمغرب، بالقرب من مدخل المقبرة، ويرحب بحرارة بالضيوف الذين يرتدون أجمل الملابس. ويتردد صدى همسات الترحيب في هواء هذا المساء البارد: « ها نحن نجتمع هذا المساء بمكناس في مكان تاريخي تم إنشاؤه عام 1679 في عهد السلطان مولاي إسماعيل والذي استقبل فيه قديسين مبجلين على مر الأجيال، إنه لم يصبح خارج الخدمة حتى نهاية العشرينيات من القرن الماضي، ولكنه بقي المكان المقدس الذي يحتضن شخصيات الماضي العظيمة حيث يتم الحج إليه وإقامة الهيلولة ».

وتعد هيلولة أحد التقاليد الدينية العريقة لليهود المغاربة، مع طقوس تبجيل القديسين التي تعود جذورها إلى التأثير العربي الإسلامي للأولياء. وأوضح « في نهاية الأسبوع، يتم تنظيم هيلولة في جميع أنحاء المغرب من وزان إلى بني ملال، مرورا بدمنات، وتارودانت، وورزازات، وأكادير. وليس من المستغرب أن تجمع هذه الطقوس الشخصيات الرسمية والمواطنين المسلمين وأعضاء الطائفة اليهودية القادمين من جميع أنحاء المملكة والعديد من البلدان الأجنبية لتقاسم هذه اللحظات المفعمة بالإيمان وتكريم القديسين الـ600 المشهورين بمعجزاتهم ».

وهيلولة تساديكيم هي بلا شك واحدة من أكثر الهيلولات خصوصية لليهود من أصل مغربي، لأنها تحيي ذكرى جميع الحكماء الذين يرقدون في هذه المقبرة: « لقد انتهزنا هذه الفرصة للاحتفال بذكراهم. وكما تعلمون، فإن العديد من هؤلاء القديسين مشهورون بكتاباتهم وحكمتهم. في العام الماضي، قمنا ببناء جدار القدماء (Anciens)، وهو نصب تذكاري يتيح لنا أن نتذكر أسلافنا وجميع الأشخاص الذين أثروا في حياتنا وكتبوا صفحات مجيدة لليهودية المغربية في مكناس ».

إحدى الضيوف، سارة، جاءت من فرنسا للمشاركة في هذه الليلة الدينية. وقالت بنبرة مفعمة بالعاطفة: « كل عام ونحن ننتظر هذه اللحظة. إنها فرصة لإعادة نسج العلاقات مع تراثنا وطلب اليمن والبركات للعام المقبل ».

بعد وصولها قبل بضعة أيام، أخذت سارة الوقت الكافي لاستكشاف مدينة مكناس. كانت تتجول في شوارع الملاح الضيقة، الحي اليهودي التاريخي، تستمع إلى قصص والدها عن المنازل والعائلات التي عاشت هنا ذات يوم. وحكت قائلة: « أراني والدي المنزل الذي نشأ وترعرع فيه. إنه لأمر مؤثر رؤية هذا المكان الذي يعني الكثير بالنسبة له ».

وفي الوقت الذي كانت سارة تستعيد ذكريات والدها، قام المشاركون الآخرون، الذين بعدما كرموا تساديكيم وتوجهوا نحو خيمة التي أقيمت في وسط المقبرة، أيضا بتقاسم رحلتهم الخاصة لاستكشاف وإحياء التواصل مع جذورهم. إستير، المزدادة في مراكش، مبتهجة لعودتها إلى المغرب. لمعان ينبعث من عينيها وهي تتحدث عن طفولتها والذكريات التي نقلها إليها والداها. « لقد غادرنا المغرب في وقت مبكر جدا، لكن والدي نقلا لي حبهما لهذا البلد. كانوا يروون لنا كل مساء قصص شبابهم، والحياة في مراكش، والمهرجانات المبهجة والطقوس المقدسة. لقد ترعرعت مع هذه القصص، واليوم أرويها لأطفالي حتى لا تنطفئ هذه الجذوة أبدا ».

بالنسبة لإستير، « رؤية الكثير من الناس يأتون من كل مكان لحضور هذا الاحتفال أمر لا يصدق. وهذا يثبت أن تراثنا حي وأن تاريخنا يستمر من خلالنا ومن خلال أطفالنا ». أنها أيضا « عودة إلى الجذور » التي أتاحت لها إحياء ذكريات الماضي. زوجها إيلي، من عائلة « بوطبول » الشهيرة، أصله من مدينة فاس، لكنه عاش في مكناس لعقود من الزمن، لا يزال يتذكر قصصا رواها له والداه عندما كان طفلا: « لقد نقل إلينا آباؤنا حب المغرب من خلال الطقوس المبهجة والمليئة بالعاطفة. لقد أقنعني أطفالي بالمجيء، على الرغم من أنني لم أخطط لذلك في البداية. مكناس هي مسقط رأسي، جو فكري وهادئ، مرتبط بطفولتي وكل اللغات التي تعلمناها في وقت واحد: العربية والفرنسية والعبرية ».

ذكريات إيلي مليئة بلحظات الفرح. يتذكر الاحتفالات العائلية والطقوس الدينية ولحظات التعايش التي ميزت طفولته. وحكى قائلا: « العودة إلى هنا هي استعادة لجزء من ذاتي، من تاريخي الشخصي والعائلي. رؤية أطفالي ينغمسون في هذه الثقافة، ويطرحون الأسئلة ويريدون معرفة المزيد... إنه شعور لا يمكن وصفه ».

العودة إلى الجذور

ويشعر آرييل هو أيضا بهذا الارتباط العميق بجذوره المغربية. وأكد لنا قبل أن يجلس إلى الطاولة من أجل تذوق الأطباق التقليدية المعدة بهذه المناسبة قائلا: « إنها زيارتي الأولى لمكناس، وأشعر بأن العواطف الجياشة تغمرني. هذا الصباح زرت لأول مرة قبر جدي وقبور أسلافي. وهذا هو السبب الرئيسي لمجيئي، بالإضافة إلى مشاركتي في هيلولة. زرت منزل والدي الذي أصبح مدرسة قبل أن يصبح منزلا مرة أخرى. لقد دعانا السكان الحاليون بحرارة إلى زيارة المكان ».

كان الجو احتفاليا. أنغام الشعبي والشكوري تتردد في أجواء الليل وسط تصفيق الضيوف من جميع الأعمار. أطربتهم هذه الأغاني، رقصوا وغنوا. ومع اقتراب الليل، ازدادت الإثارة للحظة التي طال انتظارها: مزاد بيع الشموع. تحت الخيمة الكبيرة يجتمع الضيوف وعيونهم تلمع. سيتم استخدام الأموال التي سيتم جمعها لصيانة المقبرة طوال العام، أي حتى هيلولة العام القادم.

تبدأ المزايدة، وترتفع الأيدي بحماس. يتنافس الداعمون بحماسة للحصول على هذه الشموع المقدسة. وتستمر الأمسية بلحظة مهيبة ومؤثرة أخرى: الدعاء للأسرة الملكية. ينهض الضيوف ويخيم الصمت ويتلو الحاخامات أدعية لكي ينعم الله بالصحة والرفاهية على الملك.

تحرير من طرف هاجر خروبي و عبد الرحيم طاهيري
في 28/05/2024 على الساعة 07:00, تحديث بتاريخ 28/05/2024 على الساعة 07:00