قصة الادعاءات حول ظهور « أسد » بغابات الأطلس ليست جديدة، إنما فقط تناسلت بسرعة خلال الأيام الماضية. فقبل أزيد من عام، بث البرنامج الوثائقي الشهير « أمودو » حلقة بعنوان: « بحثا عن شاهد الأسد »، وثق من خلالها رحلة الطاقم، المحفوفة بالمخاطر، في سبيل تعقب آثار شاهد يدعي رؤية أسد الأطلس رأي العين.. غير أن كل الجهود التي بذلت لم تسفر عن رصد أي أسد.
ويحكي حسن بوفوس، مخرج ومعلق برنامج « أمودو »، أنه في ظل الأحداث الغامضة التي هزت منطقة خنيفرة، وتساؤل العديد من السكان عن حقيقة الحيوان المفترس الذي أثار الرعب في غابات الأطلس المتوسط، وعقب حادثة أيت بوخيو بخنيفرة وتقارير عن هجمات أخرى في وادي بولحمايل، انتقل فريق البرنامج الوثائقي أمودّو لاستكشاف الحقيقة وكشف الستار عن هوية هذا المخلوق المروع.
وأوضح بوفوس، في تصريح لـLe360، أن الطاقم استمع بدقة لتصريحات السكان، فتبين أن هناك حوادث أخرى في وادي بولحمايل قد تسبب فيها حيوان مفترس. في دوار أمهروق، قُتلت نعجة بطريقة وحشية، مما دفع السكان للتدخل لإبعاد الحيوان المفترس. وفيما حاول السكان إبعاده، أدعى أحدهم رؤية حيوان يشبه الأسد.
وبالتنسيق مع الوكالة الوطنية للمياه والغابات، قام فريق أمودّو بحملة تمشيطية دامت أسبوعا، استخدموا فيها تقنيات حديثة مثل الطائرات بدون طيار وكاميرات ليلية. ورغم الجهد المضني، لم يتم العثور على أي دليل يثبت وجود حيوان مفترس يشبه الأسد أو النمور.
إقرأ أيضا : هذه حقيقة «ظهور أسد وهجومه على فتاة» بإقليم خنيفرة
وفي 14 يناير، وصل الفريق إلى منطقة تيداس حيث اكتشفوا أربع عنزات ميتة وبقرة مفقودة. كانت آثار العض واضحة على جماجم العنزات، وأظهرت الفحوصات أن الحيوان المهاجم يمتلك فكًا قويًا. وفي الوقت نفسه، تلقى الفريق تقارير عن رؤية الحيوان المفترس في المنطقة.
وفي محاولة سريعة للتعقب، فشل الفريق في رصد المفترس بسبب التضاريس الصعبة ووعورة المنطقة. لكن قوائم المشتبه به، التي وُجِدَت بالقرب من موقع الحادث، تشير إلى أن المفترس قد يكون ضبُعا.
وعبر مخرج البرنامج عن أسفه لعدم توثيق الحيوان المفترس الذي أربك الساكنة، وذلك بفعل تعقيدات جبال الأطلس وكثافة غاباتها، الأمر الذي يتطلب حسبه معدات وفرقا متخصصة ووقتا أطول، وقال إن مثل هذه المهام تتطلب تجهيزات لوجستيكية خاصة ليست متاحة للجميع، بما في ذلك فريق برنامج أمودّو.
أسد طليق؟
دفع الهلع الذي ولّده انتشار شائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول ظهور « أسد » الأطلس بقبيلة أيت بوخيو بجماعة سبت أيت رحو بإقليم خنيفرة، وبغابات تيفوغالين وبوقشمير بمنطقة ولماس، والحديث عن تنفيذه هجمات ضد فتاة وضد قطيع من المواشي.. السلطات المحلية إلى تنظيم حملات تمشيطية بحثا عن هذا الحيوان المفترس.
وقالت الوكالة الوطنية للمياه والغابات إنها أطلقت بالتعاون مع السلطات المحلية والدرك الملكي، حملة تمشيط واسعة للمناطق المعنية استعملت فيها طائرات مسيرة وإجراء تحريات وأبحاث ميدانية لتعقب هذا الحيوان للتأكد من صحة ما يتم ترويجه. قبل أن تخلص الوكالة إلى استبعاد أن يكون هذا الحيوان هو « أسد الأطلس »، مشيرة إلى أن المختصين وبعد معاينة آثار الأقدام المكتشفة بهذه المناطق والتعرف عليها، حيث اعتبروا أنّها تعود إلى عائلة الكلبيات، أو لذئب شمال إفريقيا، كما أن تشريح جثّة خروف تعرّض لهجوم من الحيوان أظهرت أن علامات العضّة لا تتطابق مع عضّة الأسد.
عودة أسد الأطلس
في الواقع، سيكون من سابع المستحيلات أن يكون الحيوان المفترس الذي شوهد بغابات الأطلس المتوسط أسدا، ببساطة لأن آخر مرة شوهد فيها أسد الأطلس في جبال المغرب تعود إلى أربعينيات القرن الماضي، حيث تم التقاط صورة نادرة له أثناء تجواله وحيدا بفروه الأسود المميز وسط ثلوج جبال الأطلس، وهي آخر لقطة ترصد هذا الحيوان النادر في الطبيعة، وفقًا للتقارير والروايات المتداولة.
وفي دجنبر 2022، جاء إعلان مهم من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في المغرب، حيث تم اكتشاف بقايا عظمية لأسد الأطلس في مستويات أركيولوجية تعود إلى أكثر من 100 ألف سنة. هذا الاكتشاف يضاف إلى سلسلة من الاكتشافات الأخرى لبقايا عظمية في مواقع متنوعة، تحكي قصة تمتد لآلاف السنين.
وتم تسليط الضوء على هذه الحكاية المثيرة لأول مرة في معرض فريد من نوعه، يتاح للجمهور والمتخصصين زيارته في الحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط. وتضم الحديقة العشرات من أسود الأطلس، وتعكس الرغبة الجادة في الحفاظ على هذا النوع النادر من الحيوانات في إطار برنامج محكم لحمايتها في المغرب.