محمد شاب من الدار البيضاء في العشرينات من عمره، يتحدث بمرارة عن تجربته مع هذا المخدر الخطير، الذي أدمن عليه منذ سنة.
«كنت أتابع ما يروج عن هذا المخدر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفجأة أغراني الحماس فقمت بتجربة البوفا.. ومنذ ذلك اليوم صرت واحدا من المدمنين الذين يستهلكون هذا المخدر كل يوم، وأمام الحاجة الملحة للمال من أجل شراء الجرعة فإنني أضطر إلى بيع أغراضي بأي ثمن.. »، يحكي محمد مستعرضا تجربته السيئة مع مخدر البوفا.
لقد أدت به تلك التجربة إلى تدهور حالته الصحية وتراجع وضعه الاجتماعي. بينما كان يعيش حياة طبيعية سابقًا، وأصبح اليوم واحدًا من آلاف المدمنين على « البوفا » الذين يستهلكونه يوميًا.
ويوضح هذا الشاب، الذي يصرّ على أن يحذر الشباب عبر le360 ليبتعدوا عن دوامة المخدرات، قائلا: « لقد ندمت على التجربة بعدما أدركت أن حياتي تحولت إلى جحيم بسبب الإدمان، لذا فإنني أنصح الشباب بالابتعاد عن التعاطي لهاته المواد المُهلكة »، يقول محمد بتأثر شديد وهو يغالب دموعه.
ما هو البوفا؟
« البوفا » هو مادة مشتقة من مسحوق الكوكايين الرديء، وهو ما يطلق عليه في الدول الغربية « الكراك ». وكان ظهور مخدر الكراك لأول مرة في الثمانينيات من القرن الماضي، في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفي أوروبا، وشهد ذروة الآفة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
ويتم تحضير هذا المخدر القوي باستخدام بيكاربونات الصوديوم لتحويل مسحوق الكوكايين إلى الكوكايين النقي. يُطهى هذا المخدر بمزجه مع مواد كيميائية أخرى مثل الأمونيا ليتحول إلى مادة تشبه بلورات الكريستال. هو تحول كيميائي لـ »كلوغيدرات الكوكايين » إلى « كوكايين باز » يجعل هذا المخدر قابلاً للتدخين.
إقرأ أيضا : بالفيديو: "البوفا".. مخدر خطير يهدد تلاميذ المدارس
تتميز هذه المادة بسرعة امتصاصها عبر الدم عند تناولها، حيث يصل تأثيرها إلى المخ في أقل من 10 ثوانٍ.
وما يجعل هذا المخدر خطيرًا أكثر هو سرعة انتشاره بين الشباب والمراهقين. فمع مفعول سريع ونشوة تبدأ من الجرعة الأولى، يتعامل متعاطوه معه بلا تردد ويسعون لتناول جرعات جديدة بسرعة، مما يزيد من فرص الإدمان والتدهور الصحي.
أما مصدر تسمية هذا المخدر فيعتقد المختصون بأن اسم البوفا يأتي ربما من الصوت الذي تنتجه عند التسخين (poufer).
مخدر شيطاني
يؤدي استهلاك مخدر البوفا إلى تداعيات صحية واجتماعية خطيرة. يؤكد البروفيسور هاشم تيال، الأخصائي في الأمراض العقلية والنفسية، على خطورة هذا المخدر ويصفه بأنه « مخدر شيطاني » بسبب تأثيره السريع والخطير.
«يمنح هذا المخدر لمتعاطيه إحساسًا فوريًا بالنشوة، لكن مفعوله يزول بسرعة مما يجعل المتعاطين يبحثون عن جرعات إضافية. هذا التأثير السريع يجعل الشباب والمراهقين عرضة للإدمان بشكل كبير. فقط جرعة واحدة قد تكفي لسجن الفرد في براثن هذا الإدمان المميت »، يقول هذا الطبيب المختص.
ويضيف البروفسور هاشم تيال أنه يتم في حالات أخرى مزج مخدر « البوفا » مع مشروبات كحولية أو مخدرات أخرى كالحبوب المهلوسة (القرقوبي) أو الحشيش، وذلك من أجل «الوصول إلى النشوة أو لبلوغ إحساس عابر بالقوة الذهنية والجسدية والاندفاع»، موضحا أن هذا المخدر « يعطي للمستهلك قوة ونشاطاً زائدين بالمقارنة مع الأشخاص العاديين، بالإضافة إلى أنه يتسبب في نوبة من العصبية والعنف قد تؤدي بمستهلكه إلى إيذاء نفسه والآخرين أيضا».
ومن التداعيات الخطيرة لهذا المخدر، حسب تيال، أنه «قد يدفع بمستهلكيه إلى القتل والاغتصاب أو يؤدي في غالبية الحالات إلى الاعتداء على الأشخاص دون دراية من المستهلك الذي يكون تحت تأثير البوفا».
وحول مدى خطورة مخدر « البوفا » على مستهلكه، أكد الطبيب أن متعاطيه «مهدد بمضاعفات صحية خطيرة مثل ضعف في القلب، كما أنه يغيّب العقل ويسبب هلوسات خطيرة، ويتسبب في العجز التام، وقد يتسبب في بعض الحالات بالموت المفاجئ...».
الأمن يشن حملة لتجفيف منابع البوفا
من الجدير بالذكر أن السلطات الأمنية تقوم بحملات مكثفة لمحاربة انتشار مخدر « البوفا » في المملكة.
فقد أسفرت العمليات الأمنية التي باشرتها مصالح الأمن الوطني بتنسيق وثيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني لمكافحة مخدر « البوفا »، خلال الفترة الممتدة من 04 غشت إلى 02 شتنبر الجاري، عن توقيف 112 شخصا للاشتباه في تورطهم في ترويج هذه المادة المخدرة، علاوة على حجز كيلوغرام و413 غراما من هذا المخدر، في عمليات أمنية جرى تنفيذها بمدن الدار البيضاء وسطات والرباط وفاس وطنجة والعيون والجديدة وخريبكة.
وكان وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت قد أكد في جواب عن سؤال كتابي للفريق الحركي بمجلس النواب، تسجيل 200 قضية تتعلق بمخدر البوفا، خلال الفترة من يناير 2020 حتى ماي 2023، وتم حجز نحو 3 كيلوغرامات من هذا المخدر وإلقاء القبض على 282 شخصًا تمت إحالتهم على العدالة.