وأوردت يومية «الأحداث المغربية»، في عددها ليوم الثلاثاء 7 مارس 2023، أن الراعي سرد القصة من ألفها إلى يائها وكان متحمسا للكشف عن كل التفاصيل دونما حاجته إلى سؤال أو استفسار أو أي مجهود من الدركي لكي ينتزع منه إقراراً ما، فالدركي اكتفى بسؤال واحد بعد سماع القصة، أراد به أن يحاول تصديق ما سرده الماثل أمامه سأله مندهشا، فسأله: «ولماذا جئت لكي تعترف بعد 14 سنة عن اقترافك تلك الجريمة؟».
وأضافت الجريدة أن المتهم تنفس بشكل عميق وسكت هنيهة ثم أجاب «تايوقف عليّ المرحوم كل ليلة في المنام، لا استطيع أن أقاومه، فجئت لكي اعترف وأنال العقاب عما اقترفته يداي، لقد اعترفت لكي تعاقبوني لعل ذلك يجعل المرحوم يختفي من لياليّ»، ذرف المذنب الدمع وخلص إلى القول بأن السجن أهون عليه من عذاب دام 14 سنة ومازال مستمرا.
ربط الدرك الملكي الاتصال، تقول اليومية، بوكيل الملك، وبأمر منه بدأ التحقيق في جريمة اقترفها راع ضد زميله وهو دون العشرين من عمره، واعترف الراعي لعناصر الدرك الملكي ببيوكرى إقليم اشتوكة آيت باها أنهما كان يرعيان الغنم لفائدة أحد الساكنة بغابة أزدو جماعة الصفا، فاختلفا في أمر تافه وتشاجرا ليقوم المتهم برميه بحجر استقر على مستوى الرأس وتسبب في نزيف داخلي للضحية عجل بوفاته في الحين.
وقال: «لم يكن أحد في ذلك الخلاء بغابة أزدو، قمت بجره إلى غاية بئر مهجور ألقيته به ورميت عليه بعض التراب، ثم مضيت إلى حال سبيلي. وفي المساء عدت بالأغنام إلى بيت مالكها وعند سؤاله عن زميلي أجبته بأنه سرق أموالي وفر إلى مسقط رأسه».
جواب كان مقنعا لمالك قطعان الماشية الذي طوى القضية، لأن لا أحد سأل عن الشاب في المنطقة التي حل بها بحثا عن عمل واختفى دون أن يترك حوله أي أثر، حتى أسرته لا تعرف الوجهة التي اتخذها ولا مآله.
وحده القاتل يعرف مكانه، ورغم أنه غادر المكان في ما بعد وطويت قضيته بفعل التقادم، إلا أن «الروح عزيزة عند الله»، كما يقول المثل المغربي، فقد عاش الراعي المعاناة خلال كل هذه السنوات، وظل شبح الراحل یزوره كل ليلة وكلما اتخذ قرار الاعتراف والتبليغ عن نفسه إلا وتراجع في آخر لحظة.
وظل على تلك الحال إلى غاية يوم الأربعاء الماضي، حين قرر أن يأتي لمركز الدرك لكي يبلغ عن نفسه، رغم أن الاعتراف سيد الأدلة، كما يقول أهل القانون، فقد قررت النيابة العامة البحث عن الدليل المادي من أجل إدانة الراعي الذي اعترف بالقتل.
نقل رجال الدرك الملكي الراعي مصفد اليدين ليدلهم على البئر، فأزيل عنها الغطاء وأطلوا في قعره مستعينين بالأضواء غير أن لا أثر يؤشر على وجود جريمة.
اضطر الدرك الملكي للاستعانة بحفاري الآبار وباستخدام آليات وأدوات الحفر فاستمروا في الحفر مدة يومين لتعميق البئر دون جدوى، وبعد عدة أمتار وقفوا على الدليل المادي، عثروا على رفات الضحية وما تبقى من هيكله العظمي محشورا وسط جلباب وسروال وحذاء.
بعد الكشف عن جثة الراعي انتهى دور الحفارين ليبدأ دور المحققين الذين كتب لهم أن يكون مسرح جريمة في قعر بئر عميق. انتشلوا الرفات بعد تصويرها وأخذوا كل عينات التحقيق، ثم صعدوا البئر ليختموا التحقيق والمحضر بهذه المعاينة وبإعادة تمثيل جريمة اقترفت منذ زمن بعيد واعترف بها فاعلها بسبب شبح الضحية الذي حول أحلامه إلى كوابيس.