ولكن الأمر يدق كثيرا ويصبح خطرا على الأمن القانوني والقضائي، إذا ما تم تناوله من طرف رجل ممارس، محامي، قاضي مثلا أو أستاذ قانون أو أستاذ جامعي كيفما كان تخصصه، حينما يفتي في موضوع معين، وينتقد تعديلات أو مقترحات سيطرحها المختصون والممارسون في حقل معين، ومن أهم المواضيع التي أصبح يفتي فيها العامة وحتى بعض الخاصة ممن لديهم تكوين عالي في مادة معينة، ولكنهم صفر العلم والتجربة والممارسة، في موضوع له ناسه وممارسوه، وهم أعلم بإشكالياته ومشاكله التي يجب أن يجدوا لها حلا ترفع عنهم حرج قصور القانون والمساطر المتداولة، ولعل العامي أو الخاص من طينة من يحشر أنفه في مواضيع لا علم له بها أو دراسة أو تكوين أو ممارسة له فيها لسنين وعقود، يزعم على ذلك بتربيته العامة على كلمتي الحلال والحرام في مدونة الأسرة التي أصبح يرفعهما الكل بدون معرفة عن خلفيات التعديل ومشاكله، متأثرين ببعض المؤثرين أو الفقهاء أو العلماء الذين لا يريدون مسايرة المجتمع في تطوره، ولا يريدون الاجتهاد في حدود النصوص القرآنية، بل همهم هو اجترار آراء واجتهادات قوم ماتوا منذ قرون واجتهدوا لوقتهم ولعشيرتهم، يريدون أن يُبقوا، مواطن القرن الواحد العشرين، يعيش على آراء واجتهادات سلف كانوا منذ زمن يقارب ألف وأربع مائة سنة، لأنهم كسالى لا يريدون أن يجتهدوا، هناك مواضيع كثيرة يتهافت عليها وعلى فكرتها النبيلة والمتزنة والعادلة والتي يطرحها كل تعديل يتم التنصيص عليه، خصوصا في مدونة الأسرة، ولكن سنكتفي في مقالنا بهذا، بالكلام عن فكرة وجهت لها سهام ومدافع انتقادية كبيرة بدون معرفة وفهم لتطور المجتمع، وهي آلية التطليق للشقاق التي ابتدعتها مدونة الأسرة، ورفعت الظلم الكبير والخطير الذي كانت ترزح تحت بطشه آلاف النساء المغربيات، الذين كانون يتزوجون، وبعد الزواج يكتشفون أشياء أو أمور، تقتنع معها المرأة أن لا سبيل لها للاستمرار في الزواج ، وبقدر ما كان الطلاق ميسرا بشكل كبير جدا لطرف دون آخر، قبل مدونة الأسرة، حين كان الرجل بمجرد ما يفكر في الطلاق، إلا ويتوجه لقاضي التوثيق الذي يستدعي الزوج ، وبعد إصرار الزوج على الطلاق، يحدد القاضي مبالغ متعة للزوجة حتى ولو قضت معه أربعين سنة زواج، وتكون مبالغ زهيدة وظالمة، لزوجة وجدت نفسها موضوع طلاق، وهي غير راغبة فيه، ولكن لا حيلة لها، لأن الزوج قرر، وهي لا قرار لها سوى تسلم ورقة طلاقها وفتات المتعة التي يحدده لها القاضي، هذا هو الزوج الذي يريد أن يطلق زوجته، حيث الأمر بالنسبة له أسهل من نزهة لأسبوع بين ردهات مكتب القاضي المكلف، لتنتهي حياة زوجية قد تكون استمرت لعقود من طرف زوج قرر فجأة ذلك.
ولكن تعالوا معي لننظر للأمر قبل مدونة الأسرة، كيف كانت الأمور تسير بالنسبة للزوجة التي تفكري في طلب الطلاق من زوجها، والتي وجدت زواجها قطعة من جحيم تعاني نيرانه وحرارته المحرقة كل يوم وكل ساعة، هل يمكنها أن تطلب الطلاق بسرعة وبسهولة كما هو الأمر بالنسبة للرجل، يكفي أن أحيلكم على المثل المغربي الدارج في تلك السنوات على لسان المغاربة وهو ( خلاها ماهي مطلقة ما هي عروس ) وهو أفصح وأبين مثل على حالة المرأة قبل مدونة الأسرة، تفكر في طلب الطلاق، فهي لا يمكنها أن تتوجه لقاضي شؤون التوثيق كما الرجل لطلب الطلاق، بل يجب أن ترفع أمرها بمقال أمام المحكمة الابتدائية، ويجب أن تثبت توفر السبب الذي يدعوها لطلب الطلاق، فإن كانت تريد الطلاق مثلا للضرر، يجب عليها أن تثبت الضرر، ونحن نعرف أن إثبات الضرر بين الزوجين من الصعوبة بما كان، خصوصا، إذا أنكر الزوج الضرر المدعى، وبعد جلسات ماراثونية، والتي كانت تستمر لسنوات أمام المحكمة الابتدائية، وبعد ثبوت الضرر، وحكم المحكمة الابتدائية بالطلاق للضرر، كل هذا لا يعني أن الزوجة قد حصلت على حكم تطليق للضرر، ويمكنها أن تنتهي من هذه العلاقة ، لا بل يجب عليها أن تبلغ الزوج بالحكم وتنتظر ثلاثين يوما، حتى لا يستأنف الزوج الحكم، فإذا لم يستأنف، أصبح الحكم الابتدائي نهائيا وأصبحت الزوجة مطلقة، ولكن أغلب الأزواج إن لم أقل كلهم، يدخلون في عملية شد وجذب مع زوجاتهم، لأنهم لا يتقبلون أن تذهب المرأة لطلب الطلاق، لأن الطلاق ومفاتيحه تربوا على أنه بيدهم فقط ، لذلك أغلب الأزواج يستأنفون حكم الطلاق الصادر ضدهم، وعلى الزوجة أن تتنظر قرار محكمة الاستئناف، الذي قد يلغي حكم التطليق، فتصبح الزوجة الطالبة للطلاق، باقية في عصمة زوجها رغما عنها، وحتى الحكم الابتدائي الذي فتح لها نافذة أمل، قد تم إلغائه، أما إذا كانت محظوظة وأيدت لها محكمة الاستئناف بعد سنوات من التقاضي حكم المحكمة الابتدائية بطلاقها، هذا لا يعني أنها قد ارتاحت وستنهي محنتها، وبإمكانها أن تتخلص بحكم قضائي من ذلك الرباط الذي لم تعد تحتمله، وأن أبواب الزواج والخلفة مع شخص آخر قد تنفتح لها، أو أنها ستهنأ باستراحة بعيدة عن زوج لم تسترح لعشرته ومساكنته.
لكن القانون والفصل من قانون المسطرة المدنية الذي يعتبر أن النقض في الأحوال الشخصية يوقف التنفيذ، يلزمها بأن تبلغ ذلك القرار الاستئنافي للزوج وتنتظر ثلاثين يوما، فإذا لم يطعن الزوج بالنقض في قرار طلاقها، يمكن حينذاك أن تحمد الله وتقول لقد حصلت على الطلاق، وانتهيت من هذه المحنة القضائية الذي فرضها قانون الأحوال الشخصية، لكن أغلب الأزواج، إن لم نقل كلهم، كانوا في تحديهم للزوجة التي تجرأت وتوجهت للمحكمة لطلب فك عُرى الزوجية، يطعنون بالنقض حتى يُشيع بين معارفه، (أنا خليت يماها معلقة ما مزوجة ما مطلقة) وكان يجب على الزوجة التي طلبت حق تفريقها، أن تنتظر بث محكمة النقض، وبث المجلس الأعلى ، وفي الماضي كان الملف قد يبقى بين ردهاته، سنين عديدة قد تصل على ست أو أكثر، والزوجة تنتظر لا هي بالمطلقة ولا المتزوجة، وإذا رفض المجلس الأعلى طلب الزوج نقض قرار طلاق زوجته، تصبح الزوجة بعد ذلك وبعد أكثر من عقد من التقاضي، طالق للسبب الذي اعتمدته، ولكن الكارثة هي حين كان المجلس الأعلى ينقض قرار طلاق الزوجة، لسبب من الأسباب قد يكون فقط شكليا لا يد للزوجة فيه، كتغير القضاة أو عدم توقيع القرار أو غيره من الأسباب، فحينذاك يرجع الملف لمحكمة الاستئناف لتبدأ الزوجة معركتها القضائية التي لا تنتهي، وفيها تحيز قانوني كبير للزوج أو الرجل بمعنى آخر على حساب الزوجة أو الأنثى بشكل أكثر دقة، فتكبر الزوجة، وقد تصل الى سن تصبح معها غير قادرة على الإنجاب، أو تودع الدنيا وفي رقبة زوجها والقانون والمحكمة طلب طلاق لم يتم إنصافها للحصول عليه، هذه معاناتها أمام المحاكم ومع القانون الذي كان يشرعن لظلم الزوجة والتنكيل القضائي بها اعتمادا على القانون الذي يُلزم كل قاضي بتطبيقه بها، دون أن ننسى معاناتها مع بعض الأزواج الخبثاء الذين يستمرون في تتبع خطواتها، لكي يتم ضبطها في خيانة زوجية حقيقية أو أخرى مفبركة فكان مجرد وقوف زوجة مع شخص في الشارع أو شرب كأس قهوة معه في مقهى، ورغم أن هذه الوقائع قد تكون جرت، بعد سنوات عديدة من طلاق فعلي في الواقع بين الزوجين، وغياب المعاشرة بينهما، وانتظار الزوجة لحكم لطلاقها النهائي من زواج لم تسترح له، فيتم جرها لمخافر الشرطة، وقد يُضمن لها اعتراف بالخيانة الزوجية رغم أنها ضبطت في مكان عام به ناس كُثر، وتصبح معها معتقلة بتهمة الخيانة، وهي التي لم يجدها زوجها عارية مع شخص معين وفي معاشرة كاملة بينهما وفي حالة تلبس، بل لأنها في الأوراق مازال زوجها. والزوج حين تقدم زوجته طلب الطلاق منه، وتتوقف الحياة الزوجية الفعلية بينهما، دون الورقية فهو يمكنه أن يتزوج ويُعدد، لكن الزوجة لا يمكنها أن تتزوج، بل تنتظر بصبر ايوبي، حتى تحصل على حكم نهائي بطلاقها بعد سنين عديدة إن لم نقل عقود.
هل كل ما سردناه كان عاديا، ولم يكن يُنزل بالزوجة التي تطلب الطلاق ظلما بينا لا يريده لا العبد ولا ربه، أكيد أن الكل سيقول اللهم إن هذا منك، ومدونة الأسرة بتوجيه من ملك البلاد حفظه الله، كانت حازمة في معالجة هذا الظلم الذي كان يطال المرأة المغربية، والتغلب على هذا المشكل الخطير التي كانت تعانيه النساء، فتم ابتداع آلية التطليق للشقاق، وبما أن بعض الأصوات في الفترة التي سبقت مدونة الأسرة، المعارضة لتلك التعديلات التي كان ينادى بها، يعتبرون أنها ستهدم الأسرة المغربية وستمس بأسس الدين، وهو عزف على وتر حساس يجر الكثير من المغاربة للاصطفاف ورائك حتى دون دراية أو تمحيص أو قراءة لما يتم الإعداد له وثبوت مخالفته للدين والقرآن فعلا، لأن بعض من يعزفون على وتر الدين، لهم أهداف أخرى، رغم أن ملك البلاد واضح في أنه لن يحرم حلالا أو يحلل حراما في تعديلات الأسرة لكن من لا يفكرون في قوانين تكفل للمٍرأة المغربية العدالة والكرامة، تهمهم أهداف أخرى، لذلك يركبون صهوة المعارضة في هكذا مواضيع وارجاع سبب المعارضة الى خوفهم من الدوس على نصوص الدين والقرآن، ليحققوا بها مكاسب اصطفاف معهم، ومن المضحكات المبكيات، أن تجد اصطفاف جانب من النساء معهم، الذين لن يحسوا بخطأهم الكبير وعدم حسن تقديرهم، إلا بعد أن يكونوا ضحايا مباشرين، لهذه القوانين أو بصفة غير مباشرة حين تمس بنت أو أخت أو قريبة، وحتى سوء التقدير، قد يُحس به جانب من الرجال المعارضين حين تصبح إحدى قريباتهم ضحية ظلم وتمييز هذه القوانين، فيعرفون أن ملك البلاد حين يفكر في تعديل قوانين الأسرة وتجويد نصوصها، لا أهداف له كما هو الأمر بالنسبة للبعض إلا مصلحة ورقي المواطنين والمجتمع، وحل الإشكاليات التي أفرزها تطبيق نصوص الأسرة، ورفع التمييز الذي يمكن أن تقع تحت نير ظلمه المرأة أو الأطفال أو حتى الرجال، ويريد أن يكفل مساواة الجميع أمام القانون دون تمييز، ودائما تحت القاعدة التي قررها الملك في خطابه السامي (لن أحرم حلالا أو أحلل حراما ).
لذلك تم التنصيص على مسطرة التطليق للشقاق من قبل في مدونة الأسرة، والتي كفلت للكثير من النساء التوجه للمحكمة لطلب التطليق للشقاق للفكاك من علاقة أصبحت المرأة ترى أنها غير مرتاحة فيها، وهو نفس الحق المكفول للرجال في مسطرة التطليق للشقاق، وجعلت حكم التطليق للشقاق نهائيا، أي أن حكم المحكم بالتطليق للشقاق لا يقبل أي استئناف.
ولكن بين الحين والآخر يطلع علينا بعض قصيري النظر، ربما ممن جاؤوا من عصر آخر، يرجعون سبب كثرة التطليق الذي أصبحت أعداده كبيرة ومهولة الى التنصيص على مسطرة التطليق للشقاق الذي جاءت به مدونة الأسرة، وهم بهذا يُثبتون عدم درايتهم بأن العصر الذي نعيش فيه، هو وقت آخر، والرجل والمرأة فيه ليس هو من كان حتى قبل ثلاثين سنة أو حتى عشرين سنة ، وأن القانون أو المحكمة لا يمكن أن تتدخل في رغبة شخص معين في إنهاء علاقة زوجية، لأن العلاقة الزوجية هي علاقة ترابط وتراحم وود بين رجل وامٍرأة تكون وتستمر وتبقى وتحيا، إذا كان الطرفين متفقين ومتمسكين باستمرارها، ولا يمكن أن ترغم في عصرنا الحالي مثلا أنثى معينة تريد الانفصال عن زوجها وقطع حبل العلاقة الزوجية، أن تقول لها، يجب أن تبقي مع زوجك بقوة القانون والعدالة، أو يجب عليك أن تقدمي للمحكمة مبررات قوية ومعقولة على سبب طلب التطليق للشقاق، لأن مجرد اقتناع الزوج أو الزوجة بأن العلاقة الزوجية يجب أن تنهي، هو وحده سبب كاف ليحكم القاضي بإنهائها، لأن العلاقة التي تجمعها ليست علاقة تعاقد في عقد كراء او تسيير أو بيع، بل هي علاقة حميمية وعلاقة مشاعر وود واهتمام يجب أن يكون يسود بين الطرفين وعلاقة صبر يمكن أن تكون لدى واحد منهما والذي يضحي لتستمر العلاقة الزوجية، لكن في اللحظة التي يفكر فيها أحد أطراف العلاقة الزوجية في إنهائها ويتوجه للمحكمة لإنهائها، ولا يتراجع، فهذا وحده سبب كاف لإنهائها، لأن غياب رغبة طرف في استمرار زيجة، هو سبب كاف لإنهائها، والضغط من أجل استمرارها باعتماد القوانين أو القضاء، هو توجه غير معقول وغير عادل وغير مبرر ولا يمكن أن تقبل به زوجة أو زوج العصر الحال.
فرجل هذا القرن وأنثاه تغيرت لديهم بشكل كبي، رؤيتهم للحياة الزوجية، وكيف يرونها ويتصورونها، وكيف يريدون أن يعيشوها، وكلما اصطدموا بواقع زوجي مغاير لما كانوا يحلمون به، سينسحبون بسرعة، لأنهم أصبحوا غير قادرين على الصبر على علاقة زوجية غير مريحة من أجل الأبنا، أو بعلة أن أحد أطرافها سيتغير مع الوقت ومع ضغط الأبناء والمسؤوليات، عادات وتقاليد وأجيال وأحلام وأجيال جديدة تربت بين صفحات العالم الأزرق، وتسافر بين معروضاته في كل حين، لا يمكننا أن نحكمهم بقوانين قرون أو حتى عقود مضت، لأنهم سينتفضون ويتمردون ولن يقبلوا بقوانين مقيدة من حريتهم في اختيار مع من يستمرون في الزواج ومع من ينهون معه علاقة الزواج بسرعة ودون تعقيد.
لا يجب أن نعلق مشجب ارتفاع حالات الطلاق في المغرب الى التنصيص على مسطرة التطليق للشقاق، لأن مؤسسة الزواج ببنيتها التقليدية، تعرف مشاكل كثيرة ممثلة في ازدياد حالات الطلاق المنهية لها، بشكل مثير ومخيف، لأن الأجيال الحالية ليس في المغرب فقط بل حتى في أغلب الدول المسلمة ودول العالم، لا تحتمل ربما في نظري ثقل المسؤوليات المترتبة عنها وحبالها التي تحد من حرية الطرفين، وتفرض عليهما طقوسا جديدة تمليها وتفرضها مؤسسة الزواج، دون أن ننسى المشكل المادي والنفسي الذي يُساهم في دفع أحد الأطراف لإنهاء علاقة الزواج من جانبه.
إذا نقول لمن يرفعون أصواتهم، مُرجعين سبب ارتفاع حالات التطليق للشقاق، إلى التنصيص على مسطرة التطليق للشقاق وتيسير سُبل الحصول عليه، كُفوا عن ما تقولون وما تدعون، إلا إذا كنتهم من التيار الذكوري الذي يريد، إعادة شريط معاناة الزوجة التي كانت تطلب الطلاق
وتريدون مدونة أسرية تكون فيها الغلبة والسيطرة والتمييز القانوني للذكر على حساب الأنثى.