كيف أضحى «الدرس الافتتاحي» مُغيّباً داخل الفضاء الجامعي؟

مدرج جامعي (صورة تعبيرية). DR

في 01/10/2024 على الساعة 13:30, تحديث بتاريخ 01/10/2024 على الساعة 13:30

مع بداية كلّ دخول جامعي جديد، يتساءل بعض الكُتّاب والباحثين والأدباء عن أسباب تراجع حرص المؤسّسات الجامعية على تنظيم دروس افتتاحية للموسم الدراسي، كما هو الشأن لعددٍ من الجامعات المغربية التي دأبت المُحافظة على هذا التقليد الأكاديمي الضارب في قدم البحث العلمي في العالم.

ينتقد بعض الكتاب والباحثين الطريقة التي يتم بها تغييب « الدرس الافتتاحي » بعد المكانة العلمية المرموقة التي احتلتها هذه الدروس في العُرف الأكاديمي. فإذا عُدنا إلى تاريخ الثقافة المغربية، سنعثر على جملة من المفكّرين من قبيل عبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي ومحمّد عابد الجابري وغيرهم من المفكّرين الذين ألقوا دروساً افتتاحية بمناسبة الموسم الدراسي الجديد. والحال أنّ هذه الدروس استطاعت على مدار سنوات، أنْ تُصدر في كتيّبات صغيرة وأنْ تغدو تراثاً معرفياً، سيما حين يتعلّق الأمر ببعض القضايا والإشكالات من لدن مفكرين كبار، وذلك لكون هذه الدروس، ظلّت تحفر مجراها عميقاً في ذهنية القارئ، بل وتتجاوز ذلك لتترك أثراً كبيراً في الجسد الإعلامي الذي بدوره لم يكُن يتوانى في الحضور إلى هذه اللقاءات الثقافية.

تتأسّس فكرة الدرس الافتتاحي على تقديم محاضرة من لدن شخصيات سياسية وثقافية وفكرية ذات التأثير في مجالات تخصّصها. وتتشابه هذه الدروس في طريقة الإلقاء والمُنطلق المعرفي الذي يُؤسّس وجودها في ذهنية الآخر. غير أنّ الدروس تكون حدّة تأثيرها مختلفة بين مفكّر وآخر، فغالباً ما كانت على سبيل المثال لا الحصر دروس صاحب « الايديولوجيا العربية المعاصرة » تتمتّع بوهجٍ كبير وبحضور شديد يفوق التوقّع، وذلك لكون الدرس الذي قد يلقيه عبد الله العروي، يكون بمثابة حدث سنوي ومبحث فكري ينخرط فيه جملة من الباحثين والمؤرّخين ويعملون عل توسيع أفق النّظر تجاه قضايا مُتّصلة بالمجتمع ونُظمه السياسية وغيرها.

في السنوات القليلة الفارطة، اعتقدنا أنّ سبب تراجع العُرف الأكاديمي وغيابه راجع إلى قهر كوفيد وتأثيره، بما جعل العديد من اللقاءات السنوية تختفي وإما تُستبدل بشكلٍ افتراضي أو يتم التخلّي عنها نهائياً. لكنْ مع أفول هذه المرحلة، أصبحنا نعلم أنّ المشكل بنيوي لا يرتبط بكورونا ولا بتداعياتها على النظام التعليمي، بقدر ما يرتبط بعطب في التفكير وخلل في الرؤية. مع العلم أنّ هذه الدروس الافتتاحية عامّة، لا تتطلّب أيّ مبالغة من ناحية التنظيم وما يرتبط به من أمور مادية وذلك لكون الخطاب المعرفي يبق الأهم في إنجاح الدرس الافتتاحي.

يقول الكاتب والباحث مصطفى لغتيري في حديثه لـle360 بأنّه « لا تخفى على أحد الأهمية القصوى التي تكتسيها استضافة المثقفين والكتاب والأدباء في رحاب الجامعة، من أجل أن ينخرط معهم الطلبة في نقاش حر وهام، يلامس قضايا حيوية، تهم الطلبة والبحث العلمي عموماً، وتتخذ هذه الاستضافات أهمية خاصة حين تأخذ طابع الدرس الافتتاحي، الذي يكون له بلا شك قيمة رمزية كبيرة، بالإضافة إلى قيمته العلمية، فهذه الدروس الافتتاحية تشحن الطلبة بطاقة إيجابية وتفتح اعينهم وعقولهم على قارات فكرية جديدة لم ينتبهوا لها من قبل، كما أن لها بعدا إنسانيا جميلا، يتحقق حين يلتقي الطلبة بضيف كانوا فقط يتواصلون مع افكاره عبر الكتب ».

ويرى صاحب « رجال وكلاب » أنّه « للأسف غياب هذه الدروس الافتتاحية هذه السنة عن فضاءات الجامعة، وبصراحة لا أجد شخصيا لذلك مبررا مقنعا، فحتى لو تعذر الحضور المباشر للضيوف، يمكن التواصل معهم عبر تقنيات التواصل الحديثة، وفي ذلك فوائد شتى لا تغيب عن المتتبع ». لذلك يعتبر بأنّ تلك « الاستضافات للكتاب خلال مرحلة دراستي في الجامعة كانت تعادل بالنسبة لي عاما من الدراسة تقريبا، تغني الذهن بأفكار ومنهجيات جديدة، ولا شك أن الطالب يتفاعل معها بشكل إيجابي، لأنه ينهل حينها من المنبع مباشرة، بدون وسائط تقنية او بشربة، وفي ذلك إشفاء للغليل لا ريب فيه ».

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 01/10/2024 على الساعة 13:30, تحديث بتاريخ 01/10/2024 على الساعة 13:30