"لا أعرف أباعوض ولا علاقة لي به!"، هذه أكثر الإجابات التي ووجه بها طاقم موقع Le360 حين حلوله بحي النهضة بمدينة أولاد تايمة (إقليم تارودانت) لاقتفاء آثار "الداعشي" حميد أباعوض، الذي روع العالم بجرائمه الإرهابية.
بدا سكان هذا الحي، الذي يعرف بحي "الفيلات" نسبة إلى الطبقة الاجتماعية التي تقطن به، جزعين وخائفين من الإجابة على أسئلة Le360 حول ابن حيهم الذي وصف بأنه العقل المدبر لهجمات باريس ليلة الجمعة 13 نونبر 2015. بل وحاول البعض تضليلنا بأن أباعوض لم يسبق له المرور من هنا، غير أن إصرار الطاقم على البحث والتقصي قاد في النهاية إلى المكان الذي كان يقضي فيه الشاب حميد عطله الصيفية، بل والتقينا أيضا بعض رفاقه الذين كانوا يلعبون معه "البلايستاشن".
صدمة واستنكار
الصدمة والاستنكار.. هذا رأي كل أصدقاء ومعارف وجيران أباعوض، حيث عبروا في تصريحات لـLe360 عن تفاجئهم مما بدر عن الشاب الذي اختار حياة التطرف وقتل الأبرياء.
أقارب حميد أنفسهم لم يستفيقوا بعد من هول الصدمة، حيث قادنا البحث إلى لقاء أحد المقربين، الذي قبل الحديث إلينا بعد تردد كبير، إذ كشف لـLe360 أن أفراد العائلة مصدومون مما صدر عن ابنهم، الذي تغير سلوكه فجأة 180 درجة.
قادنا البحث أيضا إلى الوصول إلى جد حميد، ويعرف بالحاج أباعوض، وهو شيخ تسعيني مكفوف، غير أن حالته الصحية، التي تأزمت بعد سماعه للخبر المفجع عن حفيده، حالت دون تمكننا من الحديث إليه.
أما والده عمر، فقد ظل يتهرب من الإجابة على أسئلتنا عبر الهاتف، وكان يرد في كل مرة بأنه "بعيد عن هذا الموضوع" ولا يود الخوض فيه.
ويبدو أن مسار عبد الحميد أثر بشكل سلبي على أسرة أباعوض، حيث أسرت بعض المصادر لـLe360 أن أفرادها يعيشون حياة مفككة، بدءا من الأب والأم المطلقين، وانتهاء بأخوي حميد اللذين استقطبهما ليسلكا الطريق الشائكة نفسها.
من هنا مرّ الداعشي أباعوض
عكس حي "مولنبيك" الهامشي ببروكسيل، الذي نشأ فيه عبد الحميد أباعوض منذ ولادته عام 1987، فإن والده اختار تشييد بنايتين بحي راق بمدينة أولاد تايمة.
وسط حي النهضة 3، توجد بناية أنيقة من ثلاثة طوابق، تشبه "ميني فيلا" مُسيّجة بسور حديدي وشجيرات وأزهار.. "هنا كان يسكن حميد أباعوض مع عائلته خلال مجيئه في العطل الصيفية"، يقول لـLe360 أحد رفاق الشاب الذي قتل الاثنين الماضي في مداهمة رجال الأمن الفرنسي في مخبئه بإحدى الشقق بحي سان دوني ضاحية باريس.
ويحكي رفيق طفولة حميد أنه كان يأتي إلى هذا الحي خلال العطل الصيفية ويمضي وقته كله في اللعب والتجوال على متن الدراجات النارية رباعية العجلات.
وأكد شبان آخرون أن حميد، الذي بات أشهر إرهابي متطرف في العالم هذه الأيام، كان شابا منفتحا جدا وبعيد عن الدين، وقال أحدهم إنه لم يكن يؤدي الصلوات حتى، قبل أن يفاجئهم في المرة الأخيرة التي زار فيها المنطقة، قبل أربع سنوات، بإطلاقه للحية كثيفة وتغير سلوكه من اللانفتاح إلى الانغلاق والعزلة.
سيرة أباعوض
خلال ستينات القرن الماضي، هاجر الحاج أباعوض (الجد) إلى فرنسا رفقة فرنسي إسمه "موغا"، نازحا من قرية تدعى ايميغزال بإقليم تارودانت، مسقط رأس عمر (الأب)، وفق إفادة المصادر التي التقاها Le360.
اشتغل الجد في القطاع المنجمي بفرنسا، قبل أن يصطحب معه ابنه عمر، الذي سرعان ما غير الوجهة نحو بلجيكا، حيث امتهن التجارة هناك واستقر، رفقة أسرته الصغيرة، بحي مولنبيك ببروكسيل. بهذا الحي رأى عبد الحميد النور عام 1987، وعاش رفقة إخوته (3 ذكور و3 إنات) حياة باذخة مقارنة مع أبناء هذا الحي الهامشي، المعروف بتفشي البطالة في صفوف سكانه.
وحسب المصادر ذاتها، فإن حياة البذخ لعبت دورا سلبيا في تغيير سلوك عبد الحميد، الذي مال نحو الانحراف، ما دفع الأب إلى إرساله إلى جامعة الأزهر بمصر، في محاولة منه "تقويم" هذا انحرافه السلوكي عبر تلقينه تعاليم الدين الإسلامي.
بعض رفاق عبد الحميد، الذين تحدث إليهم Le360 رأوا في خطوة الأب السبب الرئيسي في تغيير منحى الشاب، الذي تطرف بعد رجوعه من مصر وصار متشددا.
بداية سنة 2013 شهدت تحولا كبيرا في سلوك عبد الحميد، حيث قرر شد الرحال إلى سوريا للانضمام إلى صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي.
اختار لقب أبو عمر السوسي، ويكنى أيضا بـ"أبو عمر البلجيكي"، وشكل مادة رئيسية لعناوين الصحف البلجيكية في بداية عام 2014 عندما رحل إلى سوريا واصطحب معه أخاه الأصغر يونس (13 عاما)، الذي بات يعرف بلقب "بأصغر جهادي في العالم" ويوجد حاليا رهن الاعتقال بسجن الزاكي بعد اعتقاله بمطار أكادير، وظهر بعدها في شريط فيديو بلحية ولباس أفغاني يقود سيارة محملة بجثث مقيدة ومشوهة ويفتخر فيه بالقتل.
وصرح والده عمر أباعوض للصحافة البلجيكية في بداية عام 2015 بأن عبد الحميد كان يعيش حياة جيدة، ولم يكن عنيدا، وبعد الدراسة بات تاجرا ناجحا، لكنه فجأة رحل إلى سوريا، وتساءل عن الأسباب التي جعلت ابنه يتحول فجأة لمتشدد.
حكم على عبد الحميد في يوليوز 2015 ببروكسل غيابيا بعشرين سنة سجنا بتهمة تجنيد "الجهاديين" البلجيكيين للقتال في سوريا، وكان قد وصف بأنه العقل المدبر لخلية فيرفيان شرق بلجيكا، التي فُككت في منتصف يناير 2015، قبل انتقالها لمرحلة تنفيذ عملياتها بالتراب البلجيكي.
كما يشتبه بضلوعه في عدد من العمليات المسلحة بأوروبا، منها هجوم شارلي إيبدو، ليكون بعدها موضوعا حاضرا في عناوين الصحافة الأوروبية.
وبعد هجمات باريس التي خلفت 132 قتيلا وقرابة 350 جريحا، بات تحت مجهر المحققين الفرنسيين والبلجيكيين لاعتقادهم بأنه مفتاح فهم تلك الهجمات التي وُصف بأنه العقل المدبر لها.
يعد من أكثر الوجوه البلجيكية -المنضمة لتنظيم "داعش" لنشاطه في مواقع التواصل الاجتماعي منذ عام 2013.
كان من شخصيات التنظيم التي ظهرت في عدد فبراير 2015 من مجلة "دابق" التي يصدرها التنظيم باللغة الإنجليزية، وخلاله روى جانبا من عودته من سوريا إلى بلجيكا دون أن يتم اعتقاله.
وأعلنت السلطات الفرنسية هذا الأسبوع مقتل عبد الحميد أباعوض في 18 نونبر 2015 في ضاحية سان دوني شمال باريس. ويعتقد المحققون الفرنسيون أن عبد الحميد أباعوض، هو العقل المدبر وراء هجمات باريس الأخيرة.
هذه آراء بعض أصدقاء ومعارف عبد الحميد أباعوض:
تصوير ومونطاج: عبد الرحيم الطاهيري