في طريقه نحو مقر العمل، يتوجه هذا الشاب، المتحدر من مدينة طاطا، بأسى وحسرة شديدين، ليبدأ يوما جديدا بنفس الروتين والمهام التي قد تتجاوز الحراسة أحيانا كتنظيم الناس وطبع الأوراق، وكل ذلك مقابل أجرة هزيلة لا تتعدى 1110 دراهم.
« هذه المهنة يلزمها التقنين على عدة مستويات، حيث تشوبها مجموعة من المشاكل، ولعل أبرز مظاهرها عدم الاحترام والتقليل من القيمة »، يقول محمد معددا مظاهر المعاناة التي يقاسيها خلال أداء المهنة التي يعيل منها أسرته.
ويوضح محمد البالغ من العمر 34 سنة، في حديث مع Le360، أن « حارس الأمن الخاص، هو موظف يسهر على حماية المباني والإدارات والشركات والمؤسسات »، مؤكدا أن « هذا الموظف يؤدي دورا رئيسيا في حماية المكان والحفاظ عليه ».
هنا يعضّ محمد على شفتيه تعبيرا عن الحسرة، ثم يستطرد مضيفا: « لكن المقابل الذي يناله ليس سوى التهميش والاحتقار والأجر الهزيل ».
مشقة بلا تعويض
مثل محمد، يضطر عمر وزملاؤه الذين يشتغلون في شركة للأمن الخاص بالمغرب إلى العمل المتواصل لساعات طويلة تفوق عدد الساعات القانونية، بشكل يومي ومن دون عطل أو تحفيزات، كل ذلك مقابل أجرة يصفها بـ« الهزيلة »، لكونها لا تسد أيا من مطالبه البسيطة حسب قوله.
ورغم عدم رضاه عن مدخوله من هذا العمل الذي يغطي يومه كاملا وحزءا من الفترة المسائية، إلا أن هذا الأربعيني الذي يعيل أسرة تتكون من زوجة وثلاثة أبناء يذعن أمام كل نقائص مهنته، بعدما فشل في إيجاد مورد رزق أفضل.
ويشتكي هذا الحارس الخاص من « غياب قانون ينظم المهنة ويحدد مجالات تخصصها وحقوق المشتغلين فيها ويضمن لهم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ويمنحهم الحق في الانتماء النقابي دون التعرض للطرد أو المضايقات... ».
ويأمل كل من محمد وعمر بأن تنتبه الحكومة لمعاناة هاته الفئة وتتدخل لـ »وضع قانون مؤطر للمهنة، وإجبار الشركات على احترام القوانين الجاري في القطاع الخاص ».
مطالب بإصلاح القطاع
لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد حراس الأمن الخاص بالمغرب، غير أن بعض تقديرات الفاعلين في القطاع تقدر عددهم بمليون و200 ألف شخص.
يستنكر العديد من العاملين في هذا القطاع ظروف الاشتغال داخل مقرات عملهم، وبعضهم يلجأ إلى الانخراط في نقابات عمالية من أجل إسماع صوته، رغم الضغوط والتهديدات التي يتعرضون لها من طرف مشغليهم لثنيهم عن الدفاع والمطالبة بحقوق تحفظ كرامتهم.
وقالت لبنى نجيب، الكاتبة العامة للنقابة الوطنية لأعوان الحراسة الخاصة والنظافة والطبخ، إنه بعد شكايات عديدة تم طرح ملف الحراس التابعين للشركات الخاصة للنقاش مع وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، معتبرة أنه من الملفات ذات الأولوية.
ووصفت مسؤولة النقابة المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، هذا الملف، بأنه « خلل يتطلب المعالجة »، لافتة إلى أن « هذه الفئة تعيش وضعا صعبا كرسته مواد في قانون الشغل، كتمديد فترة شغل هؤلاء الحراس الذين تشغلهم شركات خاصة، لتنفيذ بعض الأشغال إلى ما بعد المدة العادية المحددة في ثماني ساعات، وبذلك يشتغلون ساعات أخرى، لكنهم لا يتلقون مقابلا عنها ولا تحتسب لهم في أجرتهم ».
وأوضحت هذه النقابية في تصريح لـLe360 أن « حراس الأمن الخاص يعملون 12 ساعة بينها أربع لا تحتسب في أجرتهم، فضلا عن كونهم يزاولون أعمالا أخرى غير محددة ».
وأضافت لبنى نجيب أن « هذا الملف يجب أن يدفع الجهات المختصة إلى إعادة النظر في مدونة الشغل الحالية، لكي تصبح لهؤلاء العمال في قطاع الحراسة أجور أعلى تحترم كرامتهم »، مطالبة وزارة الشغل بالتدخل العاجل لـ »مراجعة كافة أشكال التهميش التي تعيشها هذه الفئة ».
وزير الشغل: القطاع معقّد
أثارت تصريحات وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، حول الوضعية القانونية لرجال الأمن الخاص، العديد من التساؤلات حول مستقبل هذه الفئة من العمال وحقوقهم.
ففي جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، بتاريخ 3 يناير 2023، سلط الوزير الضوء على تعقيدات الوضعية القانونية لرجال الأمن الخاص، كاشفا عن تحديات تؤثر على هذا القطاع الحيوي والحساس في سوق العمل.
وفقًا لما ذكره الوزير، فإن مدونة الشغل تنص حاليًا على أن حراس الأمن الخاص يعملون لفترات طويلة تصل إلى 12 ساعة يوميًا و44 ساعة عمل أسبوعيًا، وهو أمر يثير تساؤلات حول ظروف العمل والصحة والسلامة لهؤلاء العاملين.
وبالتزامن مع هذه التحديات، تم طرح موضوع حراس الأمن الخاص في إطار الحوار الاجتماعي، ومن المتوقع أن تحسم مدونة الشغل هذه القضية بشكل نهائي عما قريب، حيث من المنتظر أن تحمل تغييرات جوهرية في ساعات العمل وشروط التشغيل لهؤلاء العمال.
من ناحية أخرى، كشف الوزير السكوري عن نتائج التفتيش في إطار مدونة الشغل خلال العام 2022، حيث بلغ إجمالي الشركات التي خضعت للتفتيش 328 شركة. وقد أظهرت النتائج وجود 48 ألف ملاحظة تتعلق بمختلف جوانب العمل، منها 18 ألف ملاحظة تتعلق بجودة التشغيل، و18 ألف ملاحظة تتعلق بمسائل الأجر، و2500 ملاحظة تتعلق بمعايير الصحة والسلامة.
من الواضح أن هذه المعطيات تسلط الضوء على حاجة ملحة لتحسين وتطوير وضعية حراس الأمن الخاص وضمان حقوقهم العمالية والبشرية، بما في ذلك ضبط ساعات العمل وتحسين ظروف التشغيل.
ويتوقع أن يكون مستقبل هذا القطاع مرتبطًا بمدى استجابة القوانين والتنظيمات للتحديات التي يواجهونها، وقد يأتي تصحيح هذه الوضعية بمثابة نموذج للتوازن بين حقوق العمال واحتياجات سوق العمل والأمن الوطني.

