بعد ان تطرقنا في الحلقة الماضية إلى الحروب الي خاضها محمد العياشي على الموريسكيين، الذين اتهمهم بمساندة الإسبان في حربهم معه، سنتطرق في هذه الحلقة، إلى الحرب التي خاضها العياشي ضد الزاوية الدلائية حليفه السابق. الحرب التي ستنهي المسار الجهادي للعياشي بعد مقتله، والتي ستفتح للدلائيين أبواب النفود على مناطق شاسعة من المغرب، ستذهب الى درجة رسم الحدود بينهم وبين الدولة العلوية التي بدأت توسع نفودها على أراضي المغرب الأقصى.
تفاوض العياشي مع جون هاريسون، مبعوث ملك إنجلترا، في مايو من سنة 1627م، فعرض عليه مده بالعتاد ضد السلطان زيدان مقابل إطلاق سراح الأسرى الانجليز. قاتل العياشي جيش السلطان زيدان وأوقف تقدمه في حدود مدينة فضالة، في سنة 1637م انقسم قراصنة سلا إلى ثلاثة كيانات، كل واحدة تدين بالولاء الى حاكم بعينه، فالكيان الأول كان مستقلا بزعامة القصري، والثاني ناصر السلطان زيدان، أما الثالث فقد ناصر العياشي.
اعترف القراصنة في سلا بعد ذلك جميعهم بسيادة السلطان زيدان عليهم، فشفع هذا الأخير للقائد القصري ونصبه حاكما على سلا، فانتقل العياشي الى منطقة دكالة من جديد لمحاربة النصارى فقتل حاكمهم في موقعة سنة 1940، ثم عاد بعد ذلك لمحاربة الموريسكيين.
استنجد الموريسكيون الفارين بالدلائيين، الذين بدأ صيتهم يتقوى، للشفاعة لهم عند العياشي، إلا ان العياشي لم يقبل فيهم الشفاعة، لما عرفه عنهم عن عدم تباتهم على حال. لم يتعود الدلائيون ان ترد شفاعتهم، زد على ذلك تغيرهم هم أنفسهم على محمد العياشي، ومجاهرتهم بعدم الاطمئنان إليه، خصوصا بعد وفاة صاحبه ومؤسس زاويتهم الدلائية، ابن ابي بكر الدلائي.
اشتبك العياشي مع الدلائيين في حروب متواصلة استمرت الى غاية هزيمته في موقعة "أزغار"، حيث عند عودته من إحدى خرجاته بطنجة، ترصد له الدلائيون تحث قيادة محمد الحاج الدلائي الابن البكر لشيخ الزاوية سيدي محمد بن أبي بكر، بمعية عدد من الاتباع والمشايعين لهم بنواحي تادلة، وكل من زحف معهم. اشتبك العياشي مع الدلائيين وانهزم أمامهم، فالتجأ الى قبائل الخلط جنوب القصر الكبير، الذين قتلوه غيلة في 30 أبريل 1641م، وهي نفس السنة التي توفي فيها جون جانسون الحاكم الأسبق لجمهورية سلا والمعروف بمراد الرايس الأصغر. فصل قبائل الخلط رأس محمد العياشي عن جسده ودخلوا به إلى سلا.
نزل خبر موت العياشي بردا وسلاما على النصارى ببلاد المغرب، حيث ذكر الناصري في الأستقصى لأخبار المغرب الأقصى "لما قُتل أبو عبد الله العياشي؛ فرح النصارى بمقتله غاية الفرح، وأعطوا البشارة على ذلك، وعملوا المُفرحات ثلاثة أيام …وحَدَّث رجل بالأسكندرية أنه رأى النصارى يومئذ يفرحون ويُخرجون أنفاضهم (يُطلقون المدافع)، فسألهم، فقالوا له: قُتل سانطو المغرب".
وأقيم لمحمد العياشي ضريح بقبيلة أولاد بوعزيز في دكالة، غير أن الناصري يرجح أن يكون مكان الضريح أحد مواقع إقامته وليس قبر له.