لا يوجّه « أبو عمار » سهام « نقده » صوب كل من يخالفه فحسب، وإنما لا يتوانى أيضا في الهجوم حتى على « زملائه في المهنة »، بمن فيهم شيوخ ودعاة وفقهاء معروفون بمنطقة سوس. ويبدو أن كل ما من شأنه خلق « البووز » مباح لدى هذا « اليوتيوبر » الذي يلقب نفسه بـ »الداعية الأمازيغي ».
فقبل أيام، خلق أبو عمار، من جديد، جدلا واسعا عندما هاجم الفقهاء المشاركين في أشهر المواسم الدينية بجهة سوس ماسة، وهو موسم المرأة المتصوفة « لالة تاعلات » الذي ينعقد سنويا، منذ عقود، بالجماعة الترابية تسكدلت بإقليم اشتوكة آيت باها. إذ في الوقت الذي كان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، احمد التوفيق، يشرف على افتتاح الموسم، خرج أبو عمار من خلال فيديو عبر قناته يصف فيه المواسم الدينية بـ«البدع والخروج عن الملة»، منتقدا « الاختلاط » والطقوس « الشركية » التي تشوب حسبه هذه المناسبات، واصفا زوارها بـ »عُباد الأضرحة والقبور »...
وجرّت هذه الخرجة على أبو عمار الكثير من الانتقادات، ومن بين من أعاب عليه هذا الموقف « المتطرف » و« الغريب » عن المجتمع المغربي، بعض الشيوخ والدعاة المعروفين بجهة سوس، الذين دعوه إلى « الرجوع إلى جادة الصواب ».
« الداعية أبو الولائم »
من خلال جولة في قناة «الداعية الأمازيغي» على يوتيوب أو فيسبوك، يتبين أن أبو عمار عادة ما يستغل مناسبات الأعراس أو الولائم التي يُدعى إليها، ليبث مقاطع فيديو مسجلة أو مباشرة يرد من خلالها على منتقديه أو يهاجم خصومه، وكثيرا ما يكون ذلك منطلق جدل جديد.
ويعيب عليه منتقدوه الذين يلقبونه بـ »أبو الولائم »، نسبة إلى كثرة ظهوره في الولائم والأعراس، معتبرين أن هجماته اللفظية القاسية وتصرفاته المثيرة للجدل تتعارض تماما مع قيم التسامح والاعتدال التي يتسم بها الدعاة والوعاظ الحقيقيين في المجتمع المغربي.
ويدعي أبو عمار، الذي يقر بأنه ينتمي إلى التيار السلفي، أن ما يقوم به هو « الدعوة إلى الله من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر »، ويعتبر أن نشره لمواقفه هو جزء من « واجبه » الديني. ومع ذلك، ينظر إليه البعض على أنه « يسعى لفرض آرائه ومواقفه الشخصية على الآخرين، دون احترام لحرياتهم الفردية ».
داعية أم مدعي؟
منذ سنوات، دأب « أبو عمار » على نشر عدد من مقاطع الفيديو عبر قنواته على مواقع التواصل الاجتماعي، ينتقد من خلالها عددا من الفنانين الأمازيغ ورموز الثقافة الأمازيغية في خرجاته « الدعوية »، وهو ما يعتبره منتقدوه استغلالا للدين من أجل تحقيق أرباح مادية عبر ما تدره عليه من أموال « الأدسنس ».
ونشر مقاطع فيديو تتضمن انتقادات لاذعة في حق عدد من رواد الأغنية الأمازيغية، بينهم الرايس حماد أوطالب المزوضي والرايس سعيد أوتاجاجات والرايسة فاطمة تباعمرانت والفكاهي رشيد اسلال وغيرهم.
وسبق أن تسبب هذا الشخص في ضجة كبيرة عندما هاجم أيقونة الفن الأمازيغي الرايسة فاطمة تبعمرانت، البرلمانية السابقة عن حزب التجمع الوطني للأحرار، ما دفع بهذا الحزب إلى إصدار بلاغ شديد اللهجة، عبر من خلاله عن « رفضه القاطع لأسلوب السب والإساءة الذي أبان عنه المعني بالأمر، وهو ما يتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف، ومع الوظيفة التربوية للوعظ والإرشاد ».
من يكون عمر العسري الملقب بأبو عمار؟
عمر العسري أو « أبو عمار » المثير للجدل، شخصية تحمل في طياتها مجموعة من التناقضات، التي لا تشفع له للدفاع عن سيرة الداعية الذي « يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ».
رأى عمر العسري، النور في مدينة الدار البيضاء عام 1975، بالضبط في حي جميلة 1 بمقاطعة سباتة، وسط أسرة بسيطة ومحافظة يرعاها رجل تعليم وربة بيت. قضى هناك زهاء سبع سنين من طفولته، ثم انتقلت الأسرة إلى ضواحي مدينة أكادير، بعد تعيين الأب في منطقة أزرو بأيت ملول في عام 1982.
بالرغم من أنه نشأ في بيئة تربوية محافظة، إلا أن حياته انقلبت رأساً على عقب، وفق تعبيره هو، حيث تغيرت بيئته بشكل جذري بانتقاله من المجال الحضري إلى القروي.
إقرأ أيضا : إغلاق الحدود في وجه الداعية السلفي «أبو عمار» وشكايات أخرى تطوّق عنقه
تلقى التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي في منطقة أزرو بأيت ملول، وكان يزاول، مثل بقية أقرانه، هواياته الرياضية، خاصة كرة القدم، التي كان يمتلك لها شغفاً كبيراً.
« كنت مولعا بكرة القدم. لعبت مع فرقة « مستقبل أزرو » وغيرها من الفرق المحلية ومن بينها فريق الحسنية. لكنني اعتزلت اللعبة بعدما اكتشفت ما فيها من « الميسر والقمار » وتضييع الوقت.. »، يقول أبو عمار عن نفسه، قبل أن يستطرد مضيفا أنه غير الوجهة إلى تعلم فنون القتال، مثل الشوتوكان والتيكواندو واللايكيدو، وكأنه كان يتنبأ منذ ذلك الوقت إلى حاجته إلى « فنون القتال » لمصارعة خصومه « الإيديولوجيين » على مواقع التواصل الاجتماعي.
أكثر الأسئلة التي يواجَه بها « الداعية الأمازيغي » خلال السجالات الكثيرة التي يخوضها مع منتقديه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هي مطالبته بالكشف عن المدارس والشيوخ الذين تلقى عنهم العلم الشرعي الذي يدعيه. وكثير من الدعاة الأمازيغ من يتهمه بـ« انتحال » صفة « الداعية » و »الواعظ الديني » على الرغم من عدم « أهليته » لذلك. حتى أن أحد الدعاة تحداه أن يستظهر حزبا من القرآن أمام الملأ، جاعلا له مكافأة مالية إن نفذ التحدي.
وعلق أبو عمار على هذا التحدي ساخرا من صاحبه، كعادته، لكنه لم يستجب للتحدي.
هناك جانب مُبهم من حياة ما بعد التعليم الثانوي لأبو عمار، فبينما تشير بعض المصادر إلى أنه « زاول بعض المهن الفنية » التي ينتقدها اليوم بشدة، بل ويُخرج من الملة من يمارسونها، يؤكد هو بأنه انبرى في تلقي « العلم الشرعي » على يد عدد من المشايخ والمدارس العتيقة بسوس...
ويقول إنه اهتم بالعلم الشرعي منذ صغره، إذ كان والده يشجعه على حفظ القرآن الكريم بمنحه هدايا مادية كلما حفظ حزبا جديدا.
وكأنه يبتغي « إخراس » كل الذين يتهمونه بانتحال صفة « الواعظ »، فقد أصر عندما خرج في لقاء صحفي أجراء قبل أيام، على أن يقول إنه التحق بدور القرآن حيث « تتلمذ على يد مجموعة من الشيوخ » مثل الحاج لحسن الوجاجي والمغراوي وزحل والدراري والقاضي برهون وزين العابدين بلافريج، وأردف أنه « تلقى أيضا علم التجويد ودرس القواعد الفقهية وعلم الحديث وفقه السيرة ومتون اللغة العربية... ».
لكن، بالرغم من الجانب الدعوي الذي يعتبره أبو عمار محوراً لحياته، الافتراضية على الأصح، إلا أن تصريحاته ومواقفه غالباً ما تشعل فتنا يصعب التنبؤ بأبعادها. وبينما ظلت « جرته » تسلم في السابق، إلا أن « زلات » لسانه هذه المرة جرّته إلى التحقيق ثم إلى صدور قرار منعه من مغادرة المغرب، ومن الوارد أن تقوده إلى السجن بالنظر إلى كثرة الشكايات التي رفعها ضده المتضررون من هجماته.