أظهر تقرير موضوعاتي حديث صادر عن الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن 75% من تلاميذ الابتدائي يتعرضون للعنف داخل الفضاء المدرسي، بينما أفاد 55.9% من تلامذة المرحلة الثانوية، وخاصة الذكور، بتعرضهم للسخرية والشتائم بدرجات متفاوتة.
وشمل البحث الميداني عينة كبيرة من التلاميذ والتلميذات، حيث أكد 25.2 في المئة من تلاميذ المرحلة الابتدائية أنهم كانوا ضحايا للضرب، في حين صرح 28.5 في المئة بتعرضهم للدفع بشكل عنيف.
وعلق المجلس على هذه النتائج بقلق بالغ، مشيراً إلى أن هذه الممارسات السلبية تؤثر بشكل كبير على البيئة التعليمية، وتهدد بتدني مستوى التحصيل الدراسي وترفع من نسب الغياب المدرسي.
واستهدف هذا البحث تشخيص ظاهرة العنف في المدارس المغربية وقياس انتشارها، بالإضافة إلى تحديد أشكالها المختلفة والعوامل المساهمة في انتشارها. وشمل البحث الذي أجري بنهج كمّي عينة من 13,884 تلميذًا يمثلون جميع أسلاك التعليم الأساسي ويمثلون 260 مؤسسة تعليمية. كما شمل بحث كيفي آخر 27 مؤسسة لتحديد أعمال العنف ووضع التشخيصات الكيفية وتطوير استراتيجيات لمكافحة هذه الظاهرة.
التأديب والعقاب بالعنف
أظهرت نتائج الدراسة وجود استمرارية للعقوبات التي تعتمد على العنف في المؤسسات المدرسية بالرغم من منعها بشكل كلي. فالعقوبات اللفظية والرمزية، مثل السب والإهانة، تعد الأكثر شيوعًا في المدارس الابتدائية، تليها العقوبات التربوية مثل إلزام التلاميذ بنسخ نصوص أو خصم وتخفيض النقاط. وعلى الرغم من تراجع تلك النسب، فإن العقوبات الجسدية لا تزال حاضرة بقوة في المراحل الثانوية.
وتبين من خلال هاته الدراسة أن العقوبات البدنية تتجه بشكل خاص نحو التلاميذ الذكور، حيث يتعرضون بشكل أكبر للضرب والعقوبات مقارنة بالإناث. وأشار التقرير أيضًا إلى أن المؤسسات التعليمية الخاصة تلجأ بشكل أكبر لاستخدام متنوع من العقوبات مقارنة بالمدارس العمومية.
أشكال العنف داخل المدراس
يُبيِّن البحث أن العنف اللفظي يُعتبر ممارسة شائعة يومية في المؤسسات المدرسية، حيث يتعرض التلاميذ للسخرية والنبز بالألقاب والشتائم بدرجات مختلفة. وأفادت الدراسة بأن نحو ثلثي التلاميذ بالمرحلة الابتدائية صرحوا بتعرضهم للنبز بألقاب مهينة، بينما صرح حوالي 55.9٪ من تلاميذ المرحلة الثانوية، خاصة الذكور، بتعرضهم للسخرية والشتائم.
ويؤكد التقرير أن العنف الجسدي ما زال متواجدًا في المدارس، حيث صرح 25.2٪ من تلاميذ المرحلة الابتدائية بتعرضهم للضرب و28.5٪ تعرضوا للدفع. وفي المؤسسات التعليمية الثانوية، صرح 25.3٪ من التلاميذ بتعرضهم للضرب و37.4٪ تعرضوا للدفع بقصد الأذى. وتُظهر النتائج أيضًا أن الذكور أكثر عُرضة للعنف الجسدي من الإناث.
وبجانب العقوبات الجسدية، أشار التقرير إلى وجود أنواع أخرى من العنف مثل سرقة الأغراض الشخصية والاستيلاء عليها تحت التهديد. وقد صرح بذلك نحو 27.1٪ من تلامذة المرحلة الابتدائية و38,6% من تلامذة الثانوي.
أما السرقة تحت التهديد وإتلاف الأغراض الشخصية فهي تعني الذكور والإناث بنسب مماثلة على العموم، بالإضافة إلى أن 61.7 % من تلامذة الثانوي الإعدادي و70.3 % من تلامذة الثانوي التأهيلي صرحوا بأنهم سبق أن كانوا شهودا على أعمال تخريب المعدات المدرسية من طرف زملائهم التلامذة. كما يتبين من خلال النتائج أن تلامذة المؤسسات الخصوصية الحضرية أقل عرضة للسرقة تحت التهديد مقارنة مع زملائهم في المدارس العمومية.
العنف السيبيراني
أفادت الدراسة ذاتها بأن العنف السيبراني (الرقمي) يشهد تصاعدًا مقلقًا ويؤثر سلبًا على التلامذة في المدارس. وتشير النتائج إلى أن الارتفاع المتزايد للتقنيات الرقمية يزيد من احتمالية تفاقم هذا النوع من العنف.
وكشفت الدراسة أن هناك عددًا لا يستهان به من التلامذة في المدارس الابتدائية (8.3 %) والثانوية (8.6 %) يواجهون نشر محتوى شخصي غير مرغوب به على شبكات التواصل الاجتماعي. كما تبين أن الذكور وتلامذة المؤسسات المدرسية الخصوصية الحضرية يتعرضون بشكل أكبر لهذا النوع من العنف مقارنة بالإناث وتلامذة المؤسسات العمومية.
التحرش داخل المؤسسات التعليمية
تُظهِر النتائج أن التحرش منتشر بشكل واسع في المؤسسات المدرسية، حيث أكد 15.2 % من تلامذة الابتدائي و29.7 % من تلامذة الثانوي أنهم تعرضوا للتحرش داخل مدارسهم. ومن بينهم، أكد 34 % من التلامذة الابتدائي و25.4 % من التلامذة الثانوي أن التحرش كان ذا طابع جنسي.
وبالنسبة للفاعلين في العنف المدرسي، فقد أظهرت الدراسة أن المرتكبين يتنوعون بين التلامذة والأساتذة والدخلاء على المؤسسة ومجموعات الشباب في محيطها والأطر التربوية. وكشفت النتائج أن العقاب البدني ما زال ينتشر رغم تعليمات الوزارة التي تحظر استخدامه، وأن بعض الأساتذة يعتبرونه ضروريًا للتصدي للعنف الصادر عن التلامذة.
ما يخافه التلامذة
فيما يتعلق بالمناخ المدرسي، فإن الطلاب يعتبرونه إيجابيًا عمومًا في جميع المستويات التعليمية، ولكن يلاحظ تدهوره مع تقدمهم في الأسلاك التعليمية، حيث يبدو أن التلامذة في التعليم الثانوي التأهيلي يعيشون أكبر قلق.
وعبر العديد من التلامذة عن الخوف داخل مدارسهم، خاصة في علاقتهم مع السلطة التربوية، ويشمل ذلك الأساتذة والمديرين. كما ذكروا أماكن لا يحبون زيارتها بسبب الخوف، مثل المراحيض ومكتب المدير. وفي المدارس الثانوية، يشعر التلامذة بعدم الأمان في المناطق غير المراقبة.
وتمكنت الدراسة من وضع مؤشر متعدد الأبعاد لقياس المناخ المدرسي، وأظهرت أن هذا المناخ يتدهور مع تقدم التلامذة في الأسلاك التعليمية، وخاصة في المدارس العمومية بالوسط الحضري وبشكل خاص بين تلامذة التعليم الثانوي التأهيلي.
وتأتي هذه النتائج في إطار جهود المؤسسات التعليمية لمواجهة التحديات المتزايدة في بيئة التعليم، حيث تسعى الهيئة الوطنية للتقييم للعمل مع المدارس والمعلمين وأولياء الأمور لتبني سياسات تربوية وتعليمية تهدف إلى خلق بيئة آمنة ومشجعة لتحقيق أقصى استفادة من العملية التعليمية وضمان تحقيق التميز الأكاديمي.
ويعزز هذا التقرير الموضوعاتي الدعوة للتصدي للعنف في المؤسسات التعليمية بشكل جدي ومحسوب، من خلال تبني سياسات فعالة وتوفير التدريب المناسب للأطر التعليمية، وتحقيق التعاون والشراكة مع الجهات المعنية لضمان بيئة تعليمية آمنة ومثمرة لجميع التلامذة.