في السراء والضراء
القيم التضامنية لدى المغاربة ليست وليدة اليوم، بل هي قيم قديمة متجدرة في المملكة ملكا وشعبا، فإلى جانب الإجراءات التي اتخذتها السلطات المغربية بأوامر ملكية لإغاثة ضحايا الزلزال، أطلق مواطنون حملة تضامن واسعة لتلبية احتياجات المنكوبين، حيث توجهت عشرات الشاحنات المُحمّلة بالمساعدات من مختلف مناطق المملكة في اتجاه الدواوير المنكوبة بالحوز وشيشاوة.
خيم، أغطية، أفرشة، مواد غذائية، ملابس، أواني منزلية وأدوية، كلها أشياء حرص المتبرعون على تأمينها كل حسب استطاعته، في وقت سخر فيه آخرون سياراتهم وشاحناتهم لنقل هذه المساعدات و توزيعها على الدواوير المنكوبة التي هز الزلزال أركانها وقطع السبل للوصول إليها وتوجه في الآلاف صوب مراكز تحاقن الدم للتبرع بدمائهم.
وانتشرت المقاطع التي توثق تضامن الشعب المغربي في «السراء والضراء» كما يطلق عليها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل واسع عبر العالم وحضيت بإعجاب هائل وصل صداه إلى القنوات العالمية.
ومن بين أكثر مقاطع التضامن تداولا، رجل مسن يقترب بدراجته الهوائية من نقطة لجمع المساعدات، وهو يحمل ورائه كيسا كبيرا يعتقد أنه للدقيق، يتوقف لبضع ثواني ويقدمه لأحد الشبان لوضعه بين التبرعات ثم ينصرف بهدوء. هذا الفيديو انتشر بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحضي بإعجاب منقطع النظير.
مقطع آخر لسيدة مسنة من زاكورة، وهي تسير بخطوات متأنية مرتدية الزي الصحراوي « الملحفة » وتحمل في إحدى يديها عكازها وفي الأخرى قنينة زيت من فئة 5 لتر، متجهة بصعوبة صوب مكان يجمع فيه أبناء المدينة تبرعات سكانها لإرسالها إلى الدواوير المنكوبة، قبل أن يقترب منها أحد الشبان المنخرطين في المبادرة ليخفف عليها عناء حملها لمسافة طويلة، تقدم تبرعها فيقبل يدها في مشهد يعكس مدى تلاحم الشعب المغربي والمكانة الخاصة التي يحضى بها كبار السن في مجتمعنا.
«أريد مساعدتكم لكن لا أملك شيئا لأقدمه لكم فليس لدي أي مدخول لكن عندي هذا الخاتم»، بهذه العبارة وبنبرة صوت ملؤها الحسرة، عبرت سيدة في الأربعينيات من عمرها والحزن يخيم على ملامحها (عبرت) عن تضامنها مع ضحايا الزلزال، وهي تنزع خاتمها الذهبي من أصبعها وتقدمه لعدد من الشباب تبنوا مبادرة لجمع المساعدات، مؤكدة أنها تأثرت بما وقع ولم تعد تشاهد التلفاز لعدم قدرتها على مساعدة المتضررين.
إشادات دولية
شدت فيديوهات تضامن المغاربة مع بعضهم البعض أنظار العالم، وحضيت باهتمام وسائل إعلام دولية.
«تفوقوا على المؤسسات الإغاثية.. المغاربة يبهرون العالم بتضامنهم مع ضحايا الزلزال » تحت هذا العنوان، نشر موقع قناة الجزيرة القطرية، مقالا يسلط الضوء على حملة التضامن الواسعة التي أطلقها المواطنون.
وقالت القناة: عند الكوارث الطبيعية لا يمكن للحكومات وحدها تلبية احتياجات المنكوبين دون دعم المبادرات الأهلية، وتظهر حينها مشاعر الوحدة والأخوة والانتماء، مشيرة إلى أن المغاربة « ضربوا نموذجا مبهرا بتحركهم العفوي، الذي سبق حتى المؤسسات الخيرية والإغاثية، حيث توافد المئات إلى المحلات التجارية لشراء المواد الغذائية والأساسية بمختلف أنواعها، والتبرع بها للمتضررين من الزلزال».
وأشادت القناة القطرية بالشاب المغربي علي الكراكبي، وهو مختص بالسيارات الكهربائية ومحطات الشحن، حيث اختار طريقة ذكية لمساعدة المتضررين. فقد قام مع أصدقائه بإيصال الإنترنت إلى إحدى المناطق المتضررة من الزلزال عبر أقمار «سبيس إكس» وشبكة «ستارلينك»، وأكد في حديثه لبرنامج شبكات أن ذلك ساعد متضررين بالتواصل مع عائلتهم، كما وفر مصدرا للإنارة في تلك المنطقة.